بعد مقالنا الأخير حول بدايات شهر أكتوبر وغياب الراحل معمر القذافي عن المسرح السياسي الليبي والعالمي ، طلب الي عدد من الزملاء مواصلة الكتابة عن الأحداث في ليبيا، بحكم المعايشة والخبرة بليبيا ، ورأيت الإستجابة لطلبهم ، كما رأيت أن أكتب عن ظهور أحد أخطر رموز الثورة الليبية التي أطاحت بالعقيد القذافي ، وهو “عبدالحكيم بلحاج ” الذي كان قد وصل إلى ليبيا في يوم الحادي والعشرين من أبريل عام 2022 م ، وقد وصل إلى مطار “معيتيقة”، عبدالحكيم الخويلدي بلحاج ، المعروف إختصاراً بإسم “عبدالحكيم بلحاج ” وهو كما يعرف المهتمون بأمر الشأن الليبي
سياسي كان معارضاً لنظام العقيد “معمر القذافي” رحمه الله ، وكان قائدا المجلس العسكري في طرابلس بعد ثورة 2011 م في ليبيا التي أطاحت بالعقيد القذافي ، وهو رئيس حزب الوطن الإسلامي ، وكان أمير الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة المنحلة ؛ ومع الصراع على السّلطة في ليبيا ، فرّ منها إلى تركيا التي أنشأ فيها عملاً خاصّاً ، وظل موزّعاً ما بين تركيا وقطر ، منذ صدور أمر قبض في مواجهته عام 2019 م ، من النائب العام ، بعد هروبه من ليبيا قبل ذلك بعامين .
ليبيا الآن تعيش مأساة الإنقسام ، وهناك حكومتان إحداهما في طرابلس والثانية في بنغازي ، وكل حكومة منهما لها سندها الخارجي ، وسندها العسكري الداخلي
وهو ما يؤشر إلى أن عودة بلحاج إلى ليبيا ، في ظل التعقيدات التي تعيشها الآن ، وفي ظل الصراع الدولي المكشوف أو الخفي ، على مواردها ، هذه العودة كانت تعني الكثير بالنسبة لتغيير موازين القوى في هذا البلد الذي ظل يعاني منذ أكثر من عشرين عاما ، خاصّةً إذا علمنا إن إستقبال بلحاج كان كبيراً رغم إن العودة لم تكن معلنة ؛ فقد كان في إستقباله بقاعة كبار الزوّار عدد كبير من أقاربه ورفاقه في الجماعة ، بينما تولّى تأمين العودة والمطار أيوب أبوراس آمر الحرس الرئاسي الليبي .
أكاد أجزم أن ليبيا ستشهد خلال الفترة القادمة أحداثاً ستغيّر من خارطتها السياسية ليس بعودة بلحاج فقط بل لأسباب مرتبطة بالتطورات التي تجري على الأرض هناك وقد دخل السودان لعبة الأمم من أوسع أبوابها .
نعود ل “بلحاج” وهو وفق شهادات قديمة ، عاش في بلادنا فترة من الزمن ، وتزوّج منها ، لكن لا نعرف من هي زوجته السودانية ، وأين هي الآن (!) .
قابلت عبدالحكيم بلحاج مرّةً واحدة ، عقب نجاح الثورة الشعبية التي أطاحت بالعقيد القذافي في العام 2011 م ، لقاءً لم يزد الرجل إلّا غموضاً بالنسبة لي ، وكنت ومجموعة من الزملاء رؤساء تحرير الصحف السودانية ، رفقة الوفد الصحفي الذي رافق الأستاذ علي عثمان محمد طه ، النائب الأول لرئيس الجمهورية الأسبق في ذلك الوقت ، الذي زار ليبيا لأربع ساعات فقط ، أواخر سبتمبر من العام 2011 م ، وقد قاد وفداً رسمياً رفيعاً ، ضمّ الدكتور عوض الجاز وزير الصناعة وقتها ، وصلاح ونسي وزير الدولة بوزارة الخارجية ، والدكتور أزهري التجاني وزير الإرشاد والأوقاف ، والفريق أمن مهندس محمد عطا المولى مدير جهاز الأمن والمخابرات الوطني آنذاك ؛ وقد أجرى الوفد مباحثات مغلقة مع الدكتور محمود جبريل رئيس اللجنة التنفيذية بالمجلس الوطني الإنتقالي الليبي ، وعدد من أعضاء اللجنة ، التي كانت تُعْتبر بمثابة مجلس الوزراء لتصريف الأعمال .
قبل ذلك كان الوفد الرسمي السوداني قد إلتقى بالسيّد مصطفى عبدالجليل رئيس المجلس الوطني الإنتقالي الليبي بالقاعة الرئيسية في فندق ( ريكسوس _ غابة النصر ) بحي ” سيدي خليفة ” القريب من مقر الحكم والإقامة السابق للعقيد القذافي ، في باب العزيزية .. لكن اللقاء الأخطر ، والذي لم يكن مدرجاً ضمن برنامج الزيارة القصيرة ، كان مع عبدالحكيم بلحاج ، ذلك الرجل الشّاب الغامض المولود في العام 1966 م والذي عاش ردحاً من الزمن في بلادنا وتزوج منها _ أو كما قيل _ وقد كان اللقاء قصيراً ، جادّاً لم تتخلله إبتسامات المجالات المعتادة في مثل هذه اللقاءات ، وأذكر أنني قلت لأحد رفاق الرحلة القصيرة ، إن هذا الرجل خطير ، وطموحاته أخطر وأكبر ، ربّما حكم ليبيا ، أو ربما أُطيح به قبل ذلك بكثير .. وقد كان أن أُطيح به بعد فترة لم تطل ، والسبب هو راديكاليته وتشدّده الذي لم يكن يخفى على أحد .
الآن نتساءل هل إذا عاد بلحاج إلى ليبيا في ظل فوضى سياسية وصراع يمثل فيه كل طرف قوة إقليمية أو دولية ، هل ستكون لعودته نتائج سريعة وعاجلة غير آجلة ؟ .
على الرغم من محاولة إظهار نفسه على أنه شخصية سياسية سلمية ، فإن الماضي لا يزال يطارد بلحاج ، إذ لم ينس الليبيون تاريخه الذي يصفونه بالإرهابي ، وكيف قاتل إلى جانب أسامة بن لادن في أفغانستان ، وقاد الجماعة الليبية المقاتلة المرتبطة بتنظيم القاعدة والمصنفة تنظيما إرهابيا .