الرئيسية » المقالات » بُعْدِ .. و.. مسافة[مصطفى أبوالعزائم] في ذكرى صديق ورفيق

بُعْدِ .. و.. مسافة[مصطفى أبوالعزائم] في ذكرى صديق ورفيق

مصطفى ابو العزائم

  أشار إلي ابني وأخي وإبن عمي ، الصحفي النشط الشاب عبدالرحمن جبر ، في تدوينة له على صفحته الرسمية بالفيس بوك يوم أمس ، وطلب إلي أن أكتب عن العندليب الراحل زيدان إبراهيم ، وهو يعلم أنني كنت آخر من قام بزيارته في منزله قبيل رحلته الأخيرة إلى مصر للعلاج ، والتي غادر فيها دنيانا هذي ، وكان معي الراحل المقيم الفنان صديق عباس رحمه الله .
  ويعلم عبدالرحمن جبر بأنني كنت أتابع حالة الراحل زيدان من خلال الصديق العزيز الوفي الصحفي الأستاذ زين العابدين أحمد محمد ، وهو نفسه رواية وقصة وعالم قائم بذاته .
  رأيت أن أستجيب لطلب الإبن والأخ عبدالرحمن جبر ، والذي عززه طلب إضافي من زميلنا المعلم الصحفي حيدر محمد علي ، وقد طلبا إلي أن اكتب عن الراحلين زيدان وزين العابدين ، وها أنا أفعل.
 رحل صديقنا وزميلنا زين العابدين أحمد محمد في العام 2012 م ، لكن مشهد لقائنا الأول مازال ماثلاً أمام ناظري ، رغم مرور نحو أكثر من أربعة عقود على ذلك اللقاء .
كنا وقتها شباباً لانرى في هذه الدنيا أهم من مهنة الصحافة ، التي أحببناها ، وحببها إلينا أكثر أستاذنا الكبير الراحل المقيم حسن ساتي- رحمه الله- والذي كان قد أكسبني ثقة كبيرة في نفسي ، مثلما أكسب عدداً من الزملاء كان يسميهم ب«العشره الكرام».. وكان يثق في أحكامنا وتقديرنا للأمور ، ودفع بي إلى عضوية مجلس التحرير ، ولم أكن قد تجاوزت الخامسة والعشرين من عمري بعد ، وقد كانت تجربة صحيفة «الأيام» الغراء في عهد رئاسة أستاذنا الراحل حسن ساتي ، تجربة شبابية تستند على العلم والمهنية والقدرات الخاصة والرغبة في العمل .
تجربة تشربت بخبرات شيوخ الصحافة وأساطينها الكبار .. فقد وجدنا أمامنا الأساتذة الأجلاء محمود الفضلي ، وعابدين محجوب لقمان ، وعبدالله عبيد ومحمد الخليفة طه الريفي ، رحمهم الله جميعا ،  وكنت أدين لأستاذنا الكبير الريفي بفضل عظيم في تمليكه لي وغيري مفاتيح العمل الصحفي المرتبط بتنمية الحس والقدرات ، والمرتبط بالمطبعة مباشرة .
وكان في”أيامنا” تلك التي بدأنا فيها العمل ، أساتذة كبار منهم أستاذنا الراحل أحمد عبد الحليم الذي كان رئيساً لمجلس الإدار في وقت من الأوقات ، والدكتور إسماعيل الحاج موسى مد الله في عمره ، والأستاذ بدر الدين سليمان رحمه الله ، وأستاذنا الراحل عظيم الأدب والرقة والحياء أحمد جمال الدين .
 وقد ترأس تحرير«الأيام» قبل أستاذنا حسن ساتي الأستاذ الكبير إبراهيم عبد القيوم رحمه الله .. لكننا لم نتمدد ونطلق لأيدينا وأقلامنا وأخيلتنا العنان إلا في عهد أستاذنا حسن ساتي- رحمه الله- الذي أخذت أسماء بعضنا تلمع في عهده ، بينما زادت الأسماء اللامعة لمعاناً ، وضمت الكوكبة العاملة في الصحيفة آنذاك نجوماً في دنيا الصحافة.. من بينهم الأساتذة المرحوم الدكتور محي الدين تيتاوي ، الدكتور مرتضى الغالي ، وأسامه سَيد عبد العزيز ، و أحمد البلال الطيب ، والمرحوم عبد القادر حافظ ، ونجيب نورالدين ، والمرحوم حسن الرضي ، والمرحوم عمر عبد التام ، والراحل ميرغني أبو شنب ، وعبدالرحمن زروق ، والزملاء هاشم عثمان ، وهاشم كرار ، وعيسى الحلو ، وعثمان عابدين رحمهم الله ، وكمال مصطفى ، ويوسف عمر ، والمرحوم عبدالمنعم فرح ، والسر حسن فضل ، وغيرهم في التحرير .. والمكتب الفني والإدارة ، رحم الله من مضى منهم ، ومن بقي ورحمنا أجمعين .
كان المرحوم حسن ساتي رجلاً مبدعاً ، يفتح بابه وقلبه للجميع ، ولكل من يرى فيه إضافة قد تتحقق للعمل ، لذلك جاء برسامي الكاريكاتير الراحلين صلاح أبا يزيد ، وبدرالدين ، وعزيز ، ثم صلاح حمادة ، الذي قدمناه له فلم يتردد في قبوله.
. في تلك الأجواء ، ومع حماسة الشباب والأمل العريض في التغيير الى الأفضل .. جاء إلى مكاتب صحيفة «الأيام» بالخرطوم قريباً من عمارة التبلدي ، شاب طويل القامة ، ترتسم على وجهه إبتسامة اكتشفنا لاحقاً أنها جزء منه ، وعرّفني بنفسه قائلاً : «أنا زين العابدين أحمد محمد بكتب الشعر ، وبحب الصحافة ، وعايز أتعاون معاكم» ثم مدَ يده بمجموعة من الأوراق حفلت بأخبار عن الوسط الفني ، لا يتيسر الحصول عليها إلا لصحفي محترف ، وصاحب شبكة واسعة من العلاقات في أوساط المطربين ، والشعراء والعازفين والأوساط الفنية المختلفة.
سعدتُ بالرجل والمادة الصحفية الثرة التي قدًمها لي ، وكنت وقتها أشرف على إدارة المنوعات ، بل تجاوز إنفعالي حدود السعادة العادية ، وكدت أطير من الفرح ، وسابقت نفسي إلى مكتب رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير الأستاذ حسن ساتي ، ونقلت له نبأ ذلك الكنز الصحفي الموهوب زين العابدين أحمد محمد .. كان ذلك هو المشهد الأول … ثم توالت المشاهد إلى ما قبل مغادرته السودان لمواصلة علاجه في القاهرة بساعات ، وقد إلتقينا بعدها مراراً وتكراراً في الخرطوم والقاهرة ، وكنا على تواصل مستمر ، لم ينقطع ، وعندما غادر العندليب زيدان إبراهيم رحمه الله إلى القاهرة للعلاج ، وكنت قد زرته في منزله بالحاج يوسف رفقة الفنان الرقيق صديق عباس ، الذي جاءني في الصحيفة لوداع زيدان ، وما كنا نعرف أنه الوداع الأخير .
ظل الراحل زين العابدين أحمد محمد ، ملازماً للراحل زيدان حتى آخر لحظة في حياته ، وكنا نتحدث إليه عن طريق الزين ، ورحل زيدان ، ولم يبق الزين بعده كثيراً فقد رحل بعد فترة قصيرة .. دنيا .