تطرقنا قبل فترة لما رواه الفنان الأستاذ سيد خليفة في أحد تسجيلاته الإذاعية القديمة ، وتحدث فيه عن علاقته بالشاعر عبدالمنعم عبدالحي ، و الفنان العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ ، وكيف أنه دعاه للمشاركة في زواج السياسي اللامع إبرهيم المفتي أوائل الخمسينيات في القاهرة
وقال ضمن ما قال في الحديث الذي سمعته من إذاعة البيت السوداني (100 FM) ، إن الذي قام بتوصيلها بسيارته المخصصة له من قبل المراسم في مصر، كان هو السياسي الكبير والوطني الغيور الأستاذ خضر حمد ، وهو للعلم شاعر نشيد (للعلا) الذي قام بتلحينه الأستاذ الموسيقار إسماعيل عبدالمعين، ومن ثم قام بتلقينه لأعضاء مؤتمر الخريجين، وغنى بعده (صرخة روت دمي) للشاعر الأستاذ الدكتور محيي الدين صابر، العالم التربوي المعروف وأول وزير للتربية والتعليم في عهد مايو 1969م ، وكان وقتها يدرس في دار العلوم بالقاهرة.
ومن ذكريات الشاعر عبد المنعم عبد الحي عن الفن التي أعدها الأستاذ الكبير الراحل فؤاد عمر ، صاحب أشهر برنامج في إذاعة (ركن السودان) وهو (حبابكم عشرة) ، في تلك الذكريات – لا المذكرات – يتحدث الشاعر عبدالمنعم عبدالحي عن علاقته بالأستاذ سيد خليفة – عليهم رحمة الله أجمعين – فيقول إنه تعرف عليه عندما كان يدرس الموسيقى في القاهرة ، وكان الأستاذ والموسيقار إسماعيل عبد المعين يتعهده ويلحن له الأغاني .. وهذه سمعتها شخصياً من الأستاذ عبدالمعين في منزله بالخرطوم بحري وكان معي الأصدقاء والزملاء الأساتذة عبد الوهاب هلاوي ، أبو قرون عبد الله أبوقرون رحمه الله ، وزين العابدين أحمد محمد رحمه الله ، عوض إبراهيم عوض ، وآخرون لا أريد أن أخطئ فيما إذا ما كانوا شهوداً أم لا .
يقول عبد المنعم عبد الحي إن سيد خليفة طلب منه أن يكتب له أغنية خاصة ولكن لم يكن قد خطر له أي موضوع ، وتذكر أغنية كانت ضمن الحكايات والقصص التي ترويها له والدته وهي (فاطنة السمحة والشاطر حسن)، خاصة عندما كانت تبكي وهي تسأل الجمَّال وتقول: (يا جمالاً هوى.. ما شفتوا أخوي.. أخضر طويل.. توبو توب حرير جملو هدار.. صوتو وروار..)، وأوحت له تلك القصة والأغنية الشعبية المتوازنة ليكتب أول أغنية لسيد خليفة هي أغنية (يا بانة)، ويقول فيها: (يا بانة.. ما شفتي محبوبي.. عيونو نعسانة.. ليونتو في فرعك.. في مشيه يتنى كأنو من زرعك.. كان شفتي يا بانة، في وصفو إنسانا.. ده هو محبوبي).
ثم توالت أعماله للفنان سيد خليفة فكتب له (كفاك صدود) ثم في العام 1951م طلب سيد خليفة من عبد المنعم عبد الحي أغنية عن الرحلة من (أسوان إلى أم درمان) فكتب له (قمنا من أرض الكنانة.. إلى ربوع أم درمانا)، وصف من خلالها المدن والقرى والصحراء.. ثم قدم له لاحقاً أغنية (المامبو السوداني) وقد تغنى بها سيد خليفة في أحد الأفلام المصرية.. وبعد ذلك أشتهر الفنان سيد خليفة شهرة طبقت الآفاق.
ومثلما قال الأستاذ سيد خليفة ، فإن كبار الفنانين تغنوا بأشعار الأستاذ الراحل عبد المنعم عبد الحي ابن جنوب السودان وسليل قبيلة الدينكا العريقة ، الذي عاش في أم درمان وكتب عنها أجمل ما كُتب في مدينة (أنا أم درمان) التي غناها الفنان الراحل أحمد المصطفى ورددها معه كل الشعب السوداني ، والذي درس جزءاً من مرحلته الوسطى في مصر ثم الثانوية في حلوان ليلتحق بالجيش المصري عام1942م ويتخرج ضابطاً ، ثم يتزوج من مصر الشقيقة وينجب عدداً من الأبناء والبنات ويقدم وأسرته الكريمة شهيدين – مرة واحدة – في حرب عام 1967م بين مصر وإسرائيل .
أما آخر أغنياته كما يقول هو نفسه فهي أغنية (حليل مدني) قدمها أمير العود حسن عطية ، ثم أغنية (حنين لأم درمان) قدمها للفنان حمد الريح وقام بتلحينها عبد اللطيف خضر.. وقدم مع عبد العزيز داؤود وبرعي عدداً من الأغنيات هي (ابتسمي ولو تسمحي).. و (أشواق محب) و (إنتصر يا حب)
وكسرة واحدة هي :- يا حليل ديارهم.. يا حليلها.. دوام بطراهم) رحم الله الشاعر الفذ المرهف أحد رموز الفن الغنائي الحديث وأحد رموز وحدة وادي النيل ، وأحد رموز مدينة أم درمان العريقة الأستاذ عبدالمنعم عبدالحي ، رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته آمين .