قبيل حرب العاشر من رمضان 1393 هجرية الموافق يوم السبت السادس من أكتوبر 1973م كانت الأجواء العامة في المنطقة ملتهبة ، وتصريحات الرئيس السادات رحمه الله عن عام الحسم تملأ الآفاق و تتناقلها وكالات الأنباء والإذاعات العالمية ، وكانت نوافذ الوعي قد بدأت تتفتح في عقول أبناء جيلنا وفي عقول أبناء دفعتنا بمدرسة أم درمان الأهلية الثانوية العليا _ هكذا كانت تسمىٰ المرحلة الثانوية _ وكنا قد خرجنا مثلما أشرنا بالأمس بجراحات النصر لتوّنا من ثورة شعبان 1973 م التي إنطلقت في نهايات أغسطس من ذلك العام
وكان جيلنا يعاني من آثار هزيمة يونيو 1967 م التي أثرت على كل مناحي الفكر والسياسة والثقافة والمجتمع ، ليس في مصر وحدها ، بل في كل عالمينا العربي والإسلامي ، وكان نتيجة ذلك أن بدأت التحولات السياسية والثورية تتم بأيدي وسلاح الإنقلابيين في السودان وليبيا وسوريا وغيرها .
عند بث وإذاعة خبر عبور الجيش المصري لقناة السويس ظهر يوم السبت السادس من أكتوبر 1973م الموافق للعاشر من رمضان 1393 هجرية ، انتابني مثلما ينتاب كثير من الناس حالة من الفرح الجنوني ، فخرجت من بيت الأسرة في مدينة الثورة الحارة الأولى مهرولاً ، تسابق يسراي يمناي أقصد منزل المغفور له بإذن الله تعالى السيد عباس أحمد صلاح سعدابي ، خال أخي وصديق العمر المغفور له بإذن الله تعالى محمد عبدالمطلب خالد منصور عجيب المانجلك ، في الحارة الرابعة حيث كان يقيم معه ، كنت أسابق نفسي حتى أنقل له هذا الخبر العظيم ، وأعبر عن فرحتي بالنصر الكبير ، وهي لحظات باقية في الذاكرة ما بقينا على الحياة .
بعد ذلك بأشهر قليلة كانت أمامنا عدة خيارات بعد جلوسنا لإمتحانات الشهادة السودانية ، لزيارة كينيا أو السعودية أو أثيوبيا أو مصر ، وذلك ضمن برنامج رحلات مدرسية سنوية تشرف عليها الدولة ، ونسهم فيها برسم إشتراك ضئيل ، وقد إختار أربعون طالباً أن تكون وجهتهم مصر في يونيو من العام 1974 م لنرى آثار النصر بأعيننا على أشقائنا هناك .. وكان ذلك حدثاً كبيراً في حياة كل فرد من أفراد تلك الرحلة التاريخية .
مرت السنوات ، وحاور الرئيس السادات رحمه الله ، وناور ، ووقع على اتفاقية كامب ديفيد مع رئيس وزراء اسرائيل الراحل مناحيم بيغن ، بحضور الرئيس الأمريكية الأسبق جيمي كارتر بولاية ميريلاند في السابع عشر من سبتمبر 1978م ، والتي حققت لمصر الكثير مما كانت تنشد تحقيقه بالحرب ، وفتحت الباب أمام سلام شامل عن طريق التفاوض المباشر ما بين الفلسطينيين وما بين حكومة إسرائيل .
تباينت وجهات النظر حول إتفاقية كامب ديفيد ، وواجهت مصر مقاطعة عربية ، ونشأ في مقابل معسكر السلام ، معسكر آخر حمل إسم جبهة الصمود والتحدي ، وهو معسكر أعلن عن نفسه قبل التوقيع النهائي على اتفاقية كامب ديفيد ، بعد اجتماع في طرابلس الليبية إستمر من الثاني وحتى الخامس من ديسمبر 1977م .