القدال تفوق بمفرداته الشعرية الخاصة مثلما استطاع أحياء لغة عرب الجزيرة وبعثها من جديد بصوته الرنان المحبب مع انحياز تام للفقراء والبسطاء والمتعبين والسهرانين في ليل الأسى اليقظان.
القدال كان قيمة أدبية أصيلة لانه اختار ان يكون هو وليس الآخر.. أراد أن يستمر كما نشأ جده وابيه ترابلة ومزارعين مع مراعاة فروق الوقت.
دخل الراحل قلوب الناس لانه أعطاهم الاحساس بأنه منهم ينبض قلبه حبا لهم وهياما بالأرض والنهر والحرية والقمر فكان ان استحق كل تلك المحبة وكل ذاك الحب.
وسكنت مفرداته على ضفاف حنجرة مصطفى سيد أحمد وعقد الجلال فكان اختيارا موفقا وليس صدفة فقد تم التلاقح والتمازج بين الكلمة واللحن والصوت الشجي الذي يعطي المفردة شحنتها العاطفية التي تستحق لتكتمل عندها دورة الحياة.
القدال منا اهل المحبة والليل والسهر والمناجاة وأهل البوح والسهرانين والملتاعين والحالمين بوطن شامخ… وطن عاتي يحيا فيه الجميع في عدل ومساواة اذا نما بينهم الحب وتساموا فوق الجراح والاحن والمحن ونبذوا الحروب والنزاعات واستصحبوا قيمة ان بعوا ان الله استخلفهم في الأرض لاعمارها لا لخرابها. ولهذا كان يدعو شاعرنا القدال.
أنفق الراحل انضر واعز ايام العمر الجميل محلقا بالمفردة البسيطة عبر الآفاق وساق لنا السهل والمتنع وطوف بينا في ربوع الجزيرة وعمقها وسحرها واساطيرها في لغة ومفردة هي الاسطورة ذاتها بعد نفض غبار السنين عن كنوزها ومكنوناتها ومقتنياتها فاطلق عصافير المفردة من اسرها وفك عقالها فحلقت عاليا عاليا تهب الناس السرور والفأل والأمل وطرب رفيع ينبع من منابع الألفة والمحنة والمسرات.
قبض القدال قبضة من أثر اللغة القديمة وأعاد لها الحياة والرونق والنفس والاحساس فمشت بالحسنى بين الناس والأرض والفقاري والمكتوين بهجير الحجر فكان القمر ليلة تمامه في ظلمة ليل بهيم واعاد الخضرة الي (الوادي البهل نوارو سجادة ومرق في حولو فضلة خير.. َاشوفو يخب مع نسامو… جقليبا غلبني قياسو… لا قالتلو تردح في البلا الياباك ولا حنت وكت غنت حداها نفوس).
قابلت الراحل وسامرته في (الوان.. الخير والحق والجمال) فوجدته كما توقعته من خلال مفرداته الضاويات العبقات باريج المحبة وعبير التسامح والألفة محتشدا بالبساطة في ثوبه وحديثه وابتسامة لا تفارق رغم الرهق والعنت وحيف الايام وعسف السلطة وجور السفهاء وحمارة القيظ. فكان الحبيب في الموعد دايما القا وبهاء فيه حنان الدنيا كله وابهار الشعر الرصين الذي يسمو بالناس الي حيث الآفاق الرحبة.
لا ادعي الألمام التام والامساك بمدرسة ومنهج وتجربة القدال الشعرية رغم تبتلي في محراب مفرداته التي تلمس شغاف القلب وتسامر الروح وتستوطن الوجدان لكننا نشهد انه كان في المستوى اللائق بسفارة شعرية تحث وتحض الناس الي التعايش في محبة ووئام والفة لتحلو بهم وتنبض الحياة.
من (حليوة) الحلو خرج والي أرضها البكر المعطاء عاد محفوفا بدعوات المحبين الذين كساهم حلل الجمال وزينهم بسبائك من نور المفردات النورانية وترك لهم كنزا من الإلهام يبقى الي حين يرث الله الأرض ومن عليها. وكل من عليها فان.. ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام.
الف رحمة ونور على مرقد صداح الجزيرة وعطرها الفواح الذي يضوع طيبا فيحيا من مراقده الغرام. وسلام على طائر الحب المغرد (القدال) في الخالدين.