لم يكن الأمر صدفة والداء اللعين يتربص بعافيتك، أن تحتشد علي مداخل إبداعك تلك التظاهرة المثيرة من السطور المنعشة والعبارات الحبلى بالحروف العبقرية.. كنت أري وكأنك تسابق لحظات الموت لتستخرج أكبر قدر من احتياطي طاقتك الإبداعية، وكنت حقيقة أشفق عليك من الاستهلاك المستمر للخلايا الحية في جسدك، واستخدامها في تلك الصناعة المتفردة لكل ما تكتب…كنا نريد بقاء تلك الخلايا لتضيف لك بإذن الله المزيد من العمر، لأننا صراحة يا صديقي مازلنا عطشي لرحيق الأنس واللطافة والدعابة الحلوة والقصص الفكاهية، التي ظللت تغمرنا بها لأكثر من أربعين سنة مترعة بالصداقة التي لا تعرف مفردات التجافي وتقلب المواسم..!!
يا هاشم كرار…يقيني الراسخ أن الموت لا يستأذن، ولهذا ظللت أخشي ألا نلتقي قبل أن نتناول معك جرعات من ذكريات عذبة الطعم مضت وكادت أن تتوارى سراعاً، لو لا أننا مازلنا نعترف بأنها كانت أنجع مضادات حيوية لنكد المهنة وفقرها وأرق الكتابة واحباطات السياسة…لكن الموت يسبقنا إليك فلا الحصاحيصا ولا نحن كنا نمتلك جوازات سفر وتأشيرة لنصل إليك، علي الأقل لنكون في وداعك المؤلم…ربما يا صديقي قد نادتك أرواح أمك بت الجعلي وعثمان عابدين وإبراهيم حمد النيل لتنضم إلي رحمة كبيرة تنتظرك معهم بإذن الله الرحمن الرحيم…فكأن الموت قد عاجلك بالرحيل فلا يكون لنا من نصيب لنقول لك وداعا..!!
يا هاشم كرار… ما زلت أبحث عن سر تصالحك المدهش مع تفاصيل حياتك اليومية، فكل ماكنت تراه فهو عندك جميل، ولهذا لم تقترب منك مفردات مثل الحقد والقبح والعبوس والكراهية، بل انت أصلاً لا تعرفها أو لم تسمع بها إطلاقاً، ولهذا ظللت تستحق بيننا عن جدارة لقب وعنوان (أجمل الناس)…وياله من عنوان يندر في هذا الزمان الموجع…ولاندري يا هاشم إن كنت تركت لنا شيئاً من هذا التراث المغسول بنضارة إنسانك والمعطون في مميزاتك من الصدق والوفاء والأريحية… العزاء يا صديقي أنك باقٍ فينا حروفاً وتذكارات لا تموت ووفاء لا ينضب، وعهدنا إليك أن نشهد لك أمام الله بأنك كنت صاحب قلب أبيض وعشرة طيبة..فطب يا حبيبنا في عالم البرزخ تحفك رحمة الله ورضوانه وعفو أمك ومحبة من عرفوك..!!
فقدك أليم يا حبيبنا ولان قول إلا ما يرضي الله…إنا لله وإنا إليه راجعون..
صديقك فتح الرحمن النحاس….