تظل نتائج جميع مشاركات السودان بقمم التغير المناخى (صفر كبير)، مما يحتم على الباحث الحصيف تحليل جذور اسباب هذه الخيبة المستمرة، فى وقت نجحت جميع بلدان العالم فى المضى قدما بملف التغير المناخى، و لتوضيح الصورة أكثر للمتلقى، حين نرصد التعهدات الدولية لتمويل برامج المناخ منذ مؤتمر ريوى جانيرو مرورا بباريس وحتى شرم الشيخ، نجد انه قد توفرت للصندوق العالمي للمناخ مليارات الدولارات من تعهدات المانحين والدول الموقعه على الاتفاقيات المناخية، و لكن فى المقابل فان حصة السودان من هذه المليارات كانت و لا زالت (صفر كبير)، هذا اذا قارناها بصناديق و مبادرات دولية متواضعة الميزانيات نجح السودان فى استقطاب موارد ضخمة منها و لا زال، كالصندوق العالمى لمكافحة الملاريا، الايدز والدرن، او الصندوق العالمى لتوفير اللقاحات “قافى” و غيرها .. ليبرز السؤال الأكثر الحاحا، لماذا ؟!..
وجدت إجابة ضافية لهذا السؤال بالمقال القيم للأستاذ احمد الامين قسومة، و الذى وصف نفسه بـ(المراقب المتحسر)، و يقول .. على هامش تداعيات قمة المناخ، ومن خلال متابعتنا للقمم السابقة، و نتوقع اللاحقة ايضا، بان منهج مشاركات السودان لا يتعدى اكثر من تقديم تقارير الخضوع و الخنوع مع وفود (شيل القرعة) و يضيف “عذرا لا اقصد احد و انما اتحدث عن منهج و نهج وفكر ” ..
في كل عام يشارك السودان بوفد سيادي على مستوى رفيع آملا ان لا يعود خالي الوفاض (الحقيقة أشقائنا العرب وأصدقائنا الخواجات ما يقصروا قاعدين يغمتو ليهم حاجة)، و لكن في مفهوم العمل المناخي و النهوض بالتنمية المستدامة هنالك (صفر كبير) لا نلوم عليه احد، و لكن نلوم انفسنا، حيث اننا ابتداءا نذهب و في أذهاننا باننا سوف نلتقي بـ(المانحين)، و هنا مربط الفرس لأنه بالعربي الفصيح من يتعامل معك بـ(المنح) تكون عنده مثل المتسول ..
لم ارى رؤية تدعوا للشراكة مع السودان من أجل الاستفادة من قدرتنا الكبيرة على خلق التوازن المناخى المطلوب منذ عقود، و العالم الان يصرخ من الوجع، و لكننا نحن أيضا نصرخ معه من جوع الفكر .. اذا نظرنا الى الصورة الكاملة للمعضلة البيئية في العالم سوف نجد باننا في السودان نمتلك جميع مفاتيح الحل، و نستطيع تقديمها الى العالم، فقط نحتاج ان نعرف ماذا لدينا، وكيف نعرضه للعالم على مبدأ شركاء الأرض .. و لكن الحسرة تكمن في قصر النظر و سطحية التفكير، و لذا تتكرر الفكرة في كل المناحي لحياتنا و لقد ذكرتها من قبل في هذا المقال سابقا (آه يا بلد) ..
للأسف الموضوع ليس إمكانيات او حضارة، المعضلة تكمن في ضعف البصيرة و قلة الحيلة و نوم الظهيرة، ومن متابعتنا اليومية للمنهج السيادي في حكوماتنا الرشيدة وجدنا بأن هنالك فكرة تتملك جميع من ابتسمت له الدنيا و اصبح من المسؤولين، و هي باننا دولة فقيرة، و النبي وصى على سابع جار، و نحن اهل العز و الكرم، و ارحموا عزيز قوم زل، و اها عيك يلفح (قرعته) و هاك يا شحدة، عشان كده المشهد التالي يتكرر و سوف يتكرر، لان الثورة أصلا قامت لتنفيذه مع شعار التغيير لمن يحمل (القرعة)، و لذلك تابع احتفالاتنا في أسبوع الشحادة السنوي من 20 الى 27 أكتوبر من كل عام، مع التنويه بأن هنالك فرصة سوف تأتي و تحمل (القرعة) لوحدك ..
في نفس التوقيت و نفس الأحداث يستمر مسلسل التسول عودة وزير المالية بخفي حنين 21 اكتوبر 2022م، على هامش تداعيات قرار الإدارة الأمريكية ببدء إجراءات رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب 20 اكتوبر 2020م، و من خلال تصريحات معظم المسؤولين السودانيين، و تصريحات السيد وزير خارجية السودان، و خطاب السيد رئيس وزراء حكومة السودان، ليه يتملكني إحساس بأنه مسألة رفع الحظر ده كأنما هي وسيلة للسماح للسودان بأنه يتسول (يحشد) من العالم (بمزاج)، كل المسؤولين في السودان يفسرون الحدث بأن الحظر كان مانعهم من انهم يشيلوا (قرعتهم) و يحوموا يستجدوا العالم ..
دائما الخطاب المعلن نحن دولة فقيرة يتيح لنا القرار فرصة إعفاء الديون، سوف تتدفق الأموال من الدول الداعمة، سوف نستفيد من المنح و التعاملات البنكية، مع العلم بأن الاقتصاد و الاستثمار و التجارة هي وسيلة لصناعة المال .. إذن عندما تطلب الحصول على المال انت تطلب الاستهلاك وليس الإنتاج، لان الإنتاج يكون بالشراكات و طرح المشاريع، و يختم قسومة متسائلا بحسرة، هل هذا الإحساس أحس به وحدي أم هو شعور عام، و يدعو متضرعا، كان الله في عون السودان ..
بعد اخير :
خلاصة القول، الكساح الذي يلازم ملف التغير المناخي يسأل عنه المجلس الأعلى للبيئة الاتحادي، باعتباره الجسم الحاضن لهذا الملف، فقد فشل هذا المجلس في إدارة ملف التغير المناخي للمنهجية الفاشلة التى ظل يتعاطى بها معه، فقد أصبح هذا الملف عبارة عن (جواز سفر) بحقائب الموظفين المسؤولين عنه، ليشاركوا من خلاله بإسم السودان في المؤتمرات الدولية و #بس، و ادعوا أي جهة مختصة لإحصاء عدد التأشيرات التي بجربها كبار موظفى هذا المجلس الكسيح لإثبات أو نفى هذا الادعاء، بل ان بعضهم يكررون ذيارات نفس الدورات التدريبية والمؤتمرات لاكثر من ثلاثة أو أربع مرات #والله_جد ..
وأخيرا، آن الأوان ان نحطم منهج (مد القرعة) في مشاركاتنا الدولية بقمم التغير المناخي عبر تنفيذ ثورة حقيقية لإعادة هيكلة المجلس الأعلى للبيئة الاتحادي وإعداده القيام بدوره التنسيقي وليس التنفيذية لمناشط تفعيل ملف التغير المناخي بشفافية و محاسبية مطلقة، و الى ذلك يجب منعهم من المشاركات الخارجية حتى يثبتوا الفوائد التي جنتها البلاد من مشاركاتهم السابقة ..
حسبنا الله ونعم الوكيل
اللهم لا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك فينا، و لا يرحمنا يا أرحم الراحمين