صحيفة اللحظة:
تقرير /عبدالله إدريس عبدالله
– حجب الرائد ملو قنت (٤٨ سنة) وجهه بقطعة مشمع قديم وهو مستلقي على جنبه تحت شجرة بمعسكر ام قرقور بمحلية الشوك.
قصة ملو قنت الرائد السابق بالجيش الإثيوبي هي قصة صبي قضى صباه كجندي ضمن قوات جبهة تحرير شعب تيغراي التي كانت تحارب نظام الرئيس الإثيوبي السابق مانقستو هيلا مريام، إلى أن تحقق لهم النصر في ١٩٩١ ليتم استيعابه ضابطا في الجيش الاثيوبي.
منذ حوالي عام تم إرساله ليعمل ضمن القوات الإثيوبية المشاركة في قوات حفظ السلام الأممية بإقليم دارفور والتي تعرف اختصارا بـ "قوات يوناميدط، وكان مكان عمله مدينة الفاشر بولاية شمال دارفور.
عمل ملو قنت لعشرة أشهر في دارفور إلى ان أظلمت الدنيا في وجه فجأة عندما علم ان القوات الإثيوبية والارتيرية قامتا معا بقصف التقراي بالطائرات والدبابات وتدمير المساكن فوق رؤوس ساكنها.
"في اول الامر لم اصدق، لكن بعد أن تناقلت المحطات والقنوات الفضائية الفظائع التي تعرض لها أهلي اتخذت القرار العقلاني بالتقدم بطلب للجوء للمندوب السامي لشؤون اللاجئين ومعتمدية اللاجئين.
"اعلم جيدا ما سيحدث لي اذا عدت لإثيوبيا في هذه الظروف بانتهاء فترة عملي في السودان ولن يكون مصيري مختلفا عما حدث لأهلي"
لم يكن هذا خيار الرائد ملو قنت لوحده، فقد أعلنت أعلنت بعثة الأمم المتحدة في السودان في التاسع من مايو الماضي أن نحو 120 جنديا من الوحدة الإثيوبية في بعثة يوناميد التي كانت تضم قرابة 830 جنديا، طلبوا اللجوء إلى السودان رافضين العودة إلى إثيوبيا بعد انتهاء مهمة البعثة في ديسمبر الماضي.
ويواصل الرائد ملو قنت سرد قصة "نقلنا إلى معسكر ام قرقور بمحلية الشوك بولاية كسلا كخطوة أولى قبل حوالي أربعة أشهر وحتى الآن لم يتم الرد على طلبنا للجوء ونحن ننفق على أنفسنا طوال هذه المدة من مالنا الخاص، عدا القليل من الغذاء الذي يقدم لنا من قبل المنظمات"
ويضيف ملو بحسرة "من المؤسف أن يوناميد قامت بتحويل وجميع مرتباتنا لعشرة أشهر أي 12 ألف دولار لكل منا، إلى الحكومة الإثيوبية رغم علمها ان الحكومة الإثيوبية لن تدفعها لنا بل تستخدمها ضد أهلنا"
وتشكو الملازم أول فارويني ابرها ذات الثلاثين ربيعا من انها لم تستطيع النوم جيدا طوال الفترة التي قضتها بالمعسكر، ليس بسبب لسعات البعوض والحشرات التي تتقاسم الخيمة مع زميلاتها، بل قلقا على انقطاع الأخبار عن أهلها خاصة زوجها وابنها الصغير فهي تفتقدهم كزوجة وأم في المقام الأول.
وتنتظر بصبر نافذ ان يتم منحها بطاقة اللاجئ في أسرع وقت حتى تتمكن من الشروع في إجراءات لم شملها مع أسرتها.
وتضيف الملازم فرويني "ان ما يجعل الزمن يمر ببطء في هذا المعسكر هو عدم توفر الكثير من الأشياء التي لا غني عنها للنساء مثل الفوط الصحية كما أن الغذاء الذي يقدم لنا لا يتوافق في مع النمط الغذائي الذي تعودنا عليه"
طفنا مع ملو قنت على العنابر البائسة التي يقيمون فيها وتعرفنا على معاناتهم فيها. للمفارقة، حتى في هذا الموقع القصي يلتقي ملو قنت بمن يذكرونه بمأساة اهله يوميا.
يقول مدير المعسكر مصطفى أنور ان معسكر ام قرقور تم إنشائه عام ١٩٧٦ لاستقبال اللاجئين الإريتريين إبان الحرب التي كانت تخوضها إريتريا للانفصال من اثيوبيا.
يستضيف المعسكر اليوم ١٣ ألف لاجئ ٩٧٪ منهم إريتريين و٣٪ اثيوبيين، ويساعد اللاجئين فيها منظمة طوعية سودانية واثنتان اجنبيتان.
يقول مصطفى أنور مدير المعسكر "يبلغ عدد هؤلاء اللاجئين الجدد ١٢٠ فردا، ١٠٦ منهم رجال و١٤ امرأة من الضباط وصف الضباط والجنود، أعلاهم رتبة عقيد. يعتبر المعسكر مركز فرز وإقامة مؤقتة إلى ان يتم البت في طلباتهم ومن ثم توزيعهم على معسكرات أخرى تناسبهم."
ويشير إلى ان هذا المعسكر هذا غير مناسب لهم بسبب العداء المستحكم بين التقراي والارتيريين، لذلك تستعين إدارة المعسكر بقوات شرطة واستخبارات لتوفير مزيد من الحماية للجميع، كما باعدت بينهم في السكن لتفادي أي احتكاك قد يؤدي لما لا يحمد عقباه.
لا يستبعد الأستاذ التاج النور محمد مدير إسكان اللاجئين في كسلا إعادة فتح كل المعسكرات المغلقة على مستوى الولايات الشرقية وعددها تسعة بجانب توسعة المعسكرات القائمة الآن
استمرار الحرب التي انفجرت نوفمبر من العام الماضي بين التقراى وحكومة أبي أحمد في أديس ينذر بتدفق المزيد من اللاجئين.
استقبل السودان منذ نوفمبر الماضي حوالي تسعين ألف لاجئ إثيوبي لينضموا لأكثر من ربع مليون لاجئ أثيوبي مسجل رسميا ومئات الآلاف من غير المسجلين.
يتردد ملو قنت ورفاقه على مكتب مدير المعسكر صباح ومساء لعلهم يبشرون بما يرجون، بينما يتابع المسؤولون في كسلا والخرطوم ما يحدث في الجارة إثيوبيا باهتمام وقلق ويتحسبون لكل الاحتمالات.
معسكر أم قرقور: سونا