صحيفة اللحظة:
في قلب المحن والأوقات العصيبة، يظهر أبطالٌ حقيقيون لا يحملون ألقابًا ضخمة، بل يُعرفون بإنسانيتهم وعطائهم.
وفي مخيمات النزوح في السودان، حيث التحديات تتضاعف والآلام تتراكم، برز اسم الدكتور مجاهد حلالي، الطبيب الذي لم يكن مجرد مداوٍ للجراح، بل كان طوق نجاة لأرواح يائسة، ونورًا في ظلمات النزوح.
فقد ترك بصمة لا تُمحى في قلوب من خدمهم، وأسهم في رسم الأمل في أوقات كان اليأس فيها أقرب من الأمل.
أكثر من طبيب
ففي محنة النزوح التي جمعت الآلاف من أهالي محلية الدالي والمزموم بولاية سنار التي تبعد حوالي 300 كلم جنوب شرقي الخرطوم، لم يكن حلالي مجرد طبيب فحسب، بل رمزاً للإنسانية وأيقونة للأمل.
إذ نزح مع الأهالي إلى مدينة الجبلين بولاية النيل الأبيض، بالقرب من الحدود السودانية والجنوب السوداني، ولم ينأَ بنفسه عن معاناتهم بل انغمس فيها، مقدماً لهم دعماً كان هو الأكثر احتياجاً في تلك اللحظات العصيبة.
فعند وصوله إلى مدينة الجبلين، فتح مجاهد عيادة مجانية في المعسكر، وبدأ يداوي جراح النازحين ويخفف من آلامهم المتراكمة.
كما راح يعمل من دون كلل، ليس فقط كطبيب، بل كصديق وأخٍ للجميع. وكانت ابتسامته وكلماته الطيبة مثل بلسمٍ يداوي النفوس قبل الأجساد، وحملت عيادته بصمة الأمان في نفوس النازحين الذين وجدوا فيه ملاذاً يخفف عنهم وطأة النزوح وفقدان المأوى.
كذلك حضر في مطبخ المعسكر؛ حيث أشعل النار في قدور الطعام، وعمل يداً بيد مع الأهالي في إعداد الوجبات التي كانت تُوزّع يومياً لتسدّ رمق الجائعين.
كما لم يكن يقف عند تلبية حاجة محددة، بل سعى في كل لحظة، ليكون داعماً شاملاً في كل جانب من جوانب الحياة اليومية داخل المعسكر.
لحظة الوداع
لكن بعد مرور أشهر جاء اليوم الصعب على الجميع؛ لحظة وداع الطبيب. فقد قرر السفر إلى ولاية كسلا بشرق السودان للانضمام إلى مهمة أخرى بنفس الروح الإنسانية.
ولم تكن لحظات الوداع عادية، فقد وثّقها فيديو مؤثر كشف المشاعر الصادقة التي غمرت النازحين وهم يُودِّعون طبيبهم المحبوب. إذ أحاطوا به بدموع الشكر والعرفان، ودعواتهم له كانت تعبيراً صادقاً عن امتنانهم العميق.
وقد ظهر في الفيديو أطفالٌ ونساءٌ ورجالٌ، غمرهم الأسى، لفقدان عزيزٍ سيترك فراغاً كبيراً. وبكلمات بسيطة، وبدموع تحكي حكايات كثيرة، ودّعوا الطبيب الذي زرع الأمل في قلوبهم خلال أحلك الفترات.
ليبقي اسم مجاهد محفوراً في ذاكرة أهالي المعسكر، ويترك بصمة لا تُمحى في قلوب النازحين، الذين سيذكرونه كطبيبٍ استثنائي، قدّم لهم الدعم في أشدّ لحظاتهم صعوبةً، وعلّمهم أنّ الإنسانية ليست مجرد مهنة، بل رسالة قد يضيء نورها حتى في أشدّ الأوقات ظلاماً.
يوم ودّعني أهلي
بدوره، كتب حلالي على حسابه بموقع فيسبوك: “والله، أشعر أنني صغير جدًا أمام فيض المحبة التي تلقيتها. بصراحة، أشعر بالذنب وأشعر أنني مقصر جدًا في ظل الظروف الحالية، لكن هكذا هي الدنيا واختباراتها الصعبة، والحمد لله على كل حال. في دقائق معدودة، توجّه إليّ الجميع بالدموع والأحضان. الآن، أصبح النوم صعبًا عليّ، لأنني لا أفكر في نفسي أو في تخصصي فقط، بل في آمال وأحلام الصغار الذين اعتمدوا عليّ. أشعر بحجم المسؤولية الكبيرة التي أمامي، وأدرك أنها أمانة عظيمة”.
كما أضاف بلهجة مؤثرة: “تابع الفيديو حتى النهاية، وإذا استطعت، شاهد الفيديو التالي لاستكمال الحديث، لكنني لا أنصحك، فالمشاعر التي فيه قوية جدًا لدرجة أنني نفسي لم أستطع إكماله”.
المصدر: العربية