صحيفة اللحظة:
يكاد محمود لا يغادر مسكنه الصغير في شرق الخرطوم، إذ انقطعت الكهرباء معظم الشهر الماضي، بينما جاء الصيف حارا، في حين تشتد الأزمة في السودان يوما بعد الآخر.
وعندما يغادر محمود مسكنه لشراء طعام، فإنه لا يحمل معه هاتفه المحمول لكثرة اللصوص في الشوارع. ويقضي معظم الوقت في منزله مترقبا أن تفجر قذيفة مدفعية المنزل في أي لحظة.
يحاول هذا الشاب المنهك المضطرب غير القادر على الفرار من العاصمة التي دمرها الصراع، أن يوجد عالما خاصا به، ويقول: “أقرأ مجموعة كتبي للمرة الثانية”.
ومن بين الكتب التي ساعدته كتاب “نماذج للعقل”، وهو كتاب في علم الأعصاب صدر عام 2021 حول كيفية مساعدة علم الرياضيات في شرح طريقة عمل الدماغ.
ومنذ اندلاع الصراع الشهر الماضي فر أكثر من 1.3 مليون شخص من القتال الدائر في السودان، متوجهين إلى مناطق أخرى في البلاد أو عبر الحدود.
لكن الملايين ما زالوا محاصرين في الخرطوم وأم درمان، غير قادرين على مغادرة ساحة المعركة الرئيسية بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.
بالنسبة لهم، يمثل كل يوم صراعا للحصول على الطعام والماء وشحن هواتفهم عند انقطاع الكهرباء.
ويتعين عليهم طوال الوقت تجنب المقاتلين واللصوص في الشوارع الذين يسرقون المشاة، وينهبون المتاجر، ويقتحمون المنازل لسرقة أي ممتلكات ذات قيمة.
محنة المال:
أصبح الدولار عملة نادرة من جانب، ومن جانب آخر بات من الخطر الاحتفاظ به، فهو هدف للصوص. ومن المثير للدهشة أن التطبيق الإلكتروني لبنك الخرطوم يعمل معظم الوقت، لذا أصبح شريان الحياة بالنسبة للكثيرين، حيث يتيح لمستخدميه تحويل الأموال وإجراء المدفوعات إلكترونيا.
يستخدم محمود التطبيق لسداد ما عليه للمتجر الوحيد الذي يرتاده لشراء الأغذية المعلبة. فخلال الأسابيع التي انقطعت فيها الكهرباء كان صاحب المتجر يعطيه ما يحتاج إليه ويسمح له بالسداد لاحقا.
وتضع شركة التكنولوجيا التي كان محمود موظفا بها قبل اندلاع القتال 30 ألف جنيه سوداني، أي حوالي 50 دولارا، في حسابه على التطبيق كل بضعة أسابيع.
يسمح له هذا التحويل بشراء الطعام، ويقول “إذا كان لدي مال في حسابي المصرفي وكان تطبيق بنك الخرطوم يعمل، تكون الأمور على ما يرام”.
ومثل غيره ممن تحدثوا إلى وكالة “الأسوشيتد برس” طلب محمود عدم ذكر اسمه كاملا خشية الانتقام.
البقاء أم الرحيل؟
لا يملك الكثيرون تكلفة المغادرة، سواء داخليا أو خارجيا. فمحمود مثلا يريد التوجه إلى إثيوبيا، ومنها إلى البرتغال حيث عرضت عليه وظيفة مناسبة. لكنه لا يملك مبلغ 2500 دولار، وهو تكلفه الرحلة. بينما قال وليد إنه لا يستطيع المغادرة لأسباب صحية.
ويرى آخرون إنه لا خيار أمامهم سوى البقاء، مثل تانا توسافي، وهي واحدة من نساء كثيرات يبعن الشاي في شوارع الخرطوم، وهي أم بلا زوج من إثيوبيا، وتقول إن أطفالها الأربعة يعتمدون عليها.
وعلى صعيد منفصل يقول وليد إن مخبزا واحدا هو المتبقي لخدمة الحي الذي يقطنه واثنين آخرين.
للحصول على الخبز يتعين على كل شخص تسجيل اسمه مسبقا. ويضيف “إذا كنت محظوظا وسجلت اسمك في السابعة صباحا فربما تحصل على خبز في الثانية عشرة ظهرا”.
يعيش وليد بدوره اعتمادا على تطبيق بنك الخرطوم، حيث تضع عائلته المقيمة في السعودية، أموالا في حسابه.
خلال الأسابيع الأولى من مايو، انقطعت الكهرباء عن الحي الذي يقطنه، ولذلك اعتمد على مسجد قريب به مولد كهربائي لشحن هاتفه. إلا أن عدم وجود كهرباء يعني عدم وجود مياه جارية.
ويقول “كنا نتجول في الحي حاملين دلاء على أمل العثور على أي شخص لديه مولد كهرباء يمكنه تشغيل مضخات المياه”. والأسبوع الماضي عادت الكهرباء إلى الحي.
وأغلق غالبية مستشفيات المدينة أبوابها، وتضرر الكثير منها من جراء القصف أو القتال.
وأفادت منظمة الصحة العالمية أنه منذ 11 مايو الجاري، وقع 11 هجوما على منشآت إنسانية في العاصمة.
وتوحدت جمعيات مجتمعية، تقودها جزئيا شبكة لجان المقاومة، معا للمساعدة في علاج المرضى في الخرطوم وتوصيل الأدوية.
وتقول هديل عبد السيد، وهي طبيبة بإحدى العيادات المجتمعية، إن المرضى يتوفون بسبب عدم وجود ما يكفي من الأوكسجين. وفي نهاية المطاف تم إغلاق العيادة وإخلاءها من المرضى بسبب القصف المكثف.
ويرى محمود أنه إذا تمكن بطريقة ما من تحصيل أموال، فسيحاول تنفيذ خطته بالهروب إلى إثيوبيا. لكن الوقت يمر سريعا، ويقول “ستنتهي صلاحية جواز سفري في غضون 10 أسابيع ، لذا يتعين علي أن أغادر قبل ذلك”.