صحيفة اللحظة:
رعت الوساطة الأممية الأفريقية المشتركة لحل الأزمة السودانية مؤتمرا لتسوية قضية الإقليم الشرقي، وسط مقاطعة من مجلس نظارات البجا والعموديات المستقلة الذي يمثل أكبر مكونات الإقليم الاجتماعية، مما كرس الانقسام في شرق البلاد، حسب مراقبين.
وانطلق المؤتمر الأحد الماضي، ويختتم اليوم الأربعاء، تحت عنوان “خارطة الطريق للاستقرار السياسي والأمني في شرق السودان”، ضمن المرحلة النهائية من التسوية السياسية لأزمة البلاد، وذلك برعاية الآلية الثلاثية التي تضم الأمم المتحدة، والاتحاد الأفريقي، والهيئة الحكومية للتنمية (إيقاد).
وخلال الكلمة الافتتاحية للمؤتمر، قال ممثل الآلية الثلاثية إسماعيل وايس “إن تخصيص مؤتمر لشرق السودان يوضح الضرورة الملحة للعملية السياسية في البلاد لمواجهة التحديات التي يواجهها الشرق من مظالم تاريخية”، معتبرا المؤتمر خطوة أولى للحوار والنقاش بشأن الحلول للتحديات في شرق السودان.
رفض وتهديد:
في المقابل، رأى رئيس المجلس الأعلى لنظارات البجا محمد الأمين ترك أن المؤتمر امتداد لاتفاق جوبا ومسار إقليم الشرق الذي رفضه سكان الشرق، وقال إن من تمت دعوتهم للمشاركة في المؤتمر لم يكونوا جزءا من الحشود التي أغلقت الموانئ والطرق وقادت التصعيد الجماهيري خلال الفترة الماضية، رفضا للمسار وسياسات الحكومة المركزية تجاه الإقليم.
وخلال مؤتمر صحفي، أوضح ترك أنه منع مناصريه من الاعتداء على طائرات أرسلتها الآلية الثلاثية لنقل الوفود المشاركة، منعا للفتنة والفوضى، محملا الوسطاء مسؤولية ما حدث، واتهم نافذين في الحكومة الانتقالية -من دون أن يسميهم- بالتورط في تقسيم قادة الشرق.
كما هدد بالتصعيد الشامل وإغلاق شرق السودان مجددا، وذلك في حال تم استبعادهم من التشكيل الحكومي المقبل، راهنا الموافقة عليها بمنح إقليم الشرق حق التصرف في موارده، واستخدامها في مشروعات للتنمية وتحسين أوضاع مواطني الإقليم.
ويشكو سكان إقليم شرق السودان من التهميش السياسي والفقر وضعف التنمية والخدمات، رغم أنه يمثل المنفذ البحري الوحيد للبلاد على ساحل البحر الأحمر، ويضم أكبر شركة لإنتاج الذهب، مما أسهم في تفشي اضطرابات سياسية واجتماعية أفضت إلى ظهور تنظيمات جهوية منذ الستينيات، لكن بعضها حمل السلاح في عهد حكم الرئيس السابق عمر البشير، قبل أن توقع اتفاقا مع النظام عام 2006.
وعام 2020، بعد توقيع اتفاق جوبا للسلام في عهد حكومة رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك، نشأ المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة، الذي أعلن مناهضة مسار الشرق الذي نص عليه اتفاق جوبا وطالب بإلغائه، معتبرا أن من وقعه باسم الشرق يمثلون فئة محدودة.
وديسمبر/كانون الأول الماضي، وقع المكون العسكري مع بعض القوى المدنية، وأبرزها تحالف قوى الحرية والتغيير- المجلس المركزي، اتفاقا إطاريا لحل الأزمة السياسية، لكن الاتفاق أرجأ 5 قضايا شملت شرق السودان، وذلك لمناقشتها عبر ورش عمل وتضمين توصياتها في الاتفاق النهائي.
أصابع أجنبية:
في هذا السياق، يعتقد الباحث في شؤون شرق السودان محمد الطاهر واقداي أن إقليم الشرق يشهد انقسامات اجتماعية واستقطابا بين نخبه، مما عقد الأوضاع.
وفي حديث للجزيرة نت، يرى واقداي أن الصراع بين قوى خارجية على الموانئ، لإيجاد موطئ قدم في الساحل السوداني على البحر الأحمر الذي يمتد على أكثر من 700 كيلومتر، أسهم في توتر الأوضاع بالإقليم.
وأضاف أن الوساطة الأممية الأفريقية كان ينبغي أن تعقد ملتقى في شرق السودان لتوحيد مواقف قوى الإقليم ورموزه الاجتماعية والمدنية، قبل الدعوة إلى مؤتمر يسهم في تكريس الانقسام وليس مدخلا لحل الأزمة، إذ تحول المؤتمر إلى فصل جديد من التشرذم، وهو ما يقلل من جدوى توصياته، التي سيرفضها المقاطعون للمؤتمر مهما كانت.
مصالحات لتجاوز الانقسام:
يقول الموقعون على مسار الشرق في اتفاق جوبا للسلام إن مؤتمر الشرق يشهد مشاركة واسعة من القوى السياسية والمدنية والإدارات الأهلية والقبلية.
ويوضح رئيس مؤتمر البجا المعارض أسامة سعيد أن المؤتمر به 400 عضو، منهم 40% يمثلون الموقعين على الاتفاق الإطاري و60% من غيرهم.
وفي حديثه للجزيرة نت، يؤكد سعيد أن بعض الحضور كانوا من الرافضين لمسار شرق السودان بجانب الناظر ترك، لافتا إلى أن المؤتمر ناقش قضايا مهمة ترتبط بالوضع الإداري للإقليم الذي يطالب بالحكم الذاتي أسوة بمنطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، بالإضافة إلى التنمية والخدمات والاستفادة من موارد الإقليم.
وأضاف أن المؤتمر حرر قضية شرق السودان من الأجندة الحزبية والسياسية، واستغلالها في الصراع والتجاذبات بين القوى العسكرية والمدينة، مشيرا إلى أنه رغم عدم تأثير المقاطعين على سير المؤتمر ومستوى المشاركة، فإن المؤتمر سيتبنى الجهود الرامية لعقد ملتقى للمصالحات في الشرق بين مكوناته الاجتماعية، وتجاوز الانقسامات المصنوعة، حسب تعبيره.
المصدر: الجزيرة