الرئيسية » السياسة » هل يؤدي عدم وقف اطلاق النار في السودان إلى تدخل أممي على الأرض؟

هل يؤدي عدم وقف اطلاق النار في السودان إلى تدخل أممي على الأرض؟

حرب السودان

يتساءل سودانيون كُثُر عن جدوى «هدن» لا يتم الالتزام بها، بعد عشرة إعلانات عن «هدنة إنسانية» منذ اندلاع القتال منتصف أبريل (نيسان) الماضي، وقّعها طرفا القتال: الجيش وقوات «الدعم السريع»، ودبرتها الوساطة السعودية

توافق الطرفان على 9 منها، لكن سرعان ما كان يتم خرقها، ما عدا هدنة اليوم الواحد وهدنة الأيام الثلاثة الأخيرة التي تحقق فيها التزام جزئي بوقف إطلاق النار.

ويرى مراقبون كُثُر، أن فترات وقف إطلاق النار يتم استغلالها من قِبل الطرفين للاستعداد لمعارك مقبلة.فبعد أكثر من أسبوع من القتال الدامي أعلنت الوساطة السعودية – الأميركية هدنة لمدة ثلاثة أيام، لم يتم الالتزام بها، ثم وافق الطرفان على هدنة ثانية وإعلان لوقف إطلاق النار لدوافع إنسانية، تضمنت وقف الأعمال العدائية كافة… هدنة 72 ساعة، امتدت من مساء 18 إلى 21 يونيو (حزيران) الحالي، وهدفت إلى إيصال المساعدات الإنسانية للمواطنين، لكن تقارير صحافية عديدة أشارت إلى أن المساعدات لم تصل للمستحقين.

وقال المحلل السياسي الجميل الفاضل لـ«الشرق الأوسط» في تفسيره تعدد الهدن وإعلانات وقف إطلاق النار: إن سجل الخروقات المتكررة الموثق كدليل مادي، ربما يمهد ويبرر لتدخل عسكري دولي وفق الفصل السابع أو من دونه، وأضاف: «هذا السجل نفسه يمكن أن يخدم العدالة الدولية ومحكمة الجنايات الدولية، حال إحالة ملف هذه الأحداث التي ترقى لجريمة الإبادة في مناطق من دارفور».ولم يستبعد الفاضل تدخلاً دولياً يقوم على هذه الحيثيات بقرار أفريقي أو دولي، وتابع: «كذلك إقامة محاكم حرب خاصة، أو إحالة الملف برمته إلى محكمة الجنايات الدولية في لاهاي»

وقال الصحافي المؤيد للجيش الطاهر ساتي لـ«الشرق الأوسط»: إن أهداف الهدن، «للأسف لم تتحقق، سواء كان الجانب المتعلق بالمساعدات الإنسانية، أم إخلاء المرافق الخدمية من الوجود العسكري لـ(الدعم السريع)، وإخلاء بيوت الناس، في حين يجب أن يكون المواطن هو المستفيد الأول، لكن للأسف يتضرر المواطن من الهدنة؛ لأنها تمكّن القوات العسكرية من إعادة انتشارها ومواصلة عمليات النهب والسرقة من قِبل ميليشيات (الدعم السريع)».

وأضاف: «أهم أسباب فشل الهدن، هو عدم وجود آلية رقابية فاعلة على الأرض، هي مجرد إعلان دون آلية رقابة وطنية أو غيرها». واستطرد: «الطرفان، وتحديداً (الدعم السريع) خرقا الهدنة؛ لأن طبيعة (الدعم السريع) قائمة على الحركة ومدرّبة عليها، والهدنة تعني السكوت، إلى جانب أن مجموعات كبيرة منها غير متصلة بقيادتها، وربما لم تسمع بها»

وأوضح، أن خرق الهدنة تكرر «ما يجعل من الصعب السيطرة على العمليات العسكرية… كان من المفروض أن تكون هناك وسائل موضوعية، منها رقابة على الميدان لتنفيذ الهدنة، وعدم استغلالها من أي طرف لمصلحته العسكرية».بدوره، قسم القيادي في تحالف «إعلان الحرية والتغيير» ماهر أبو الجوخ، في حديثة لـ«الشرق الأوسط»، الاتفاقات إلى ثلاثة أجيال. وقال: إن الهدن المتعددة منذ بداية الحرب، مرت بثلاثة تطورات أساسية، ففي جيلها الأول كانت السابقة لمسار جدة برعاية المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة، السمة الأساسية لها هي عدم الالتزام بها، واقتصار أثرها على المستوي الإعلامي فقط، وانهيارها في الساعات الأولى».

ويضيف أبو الجوخ: «الجيل الثاني للهدن كان قبل تجميد مسار جدة. الاختلاف فيها هو وجود رقابة وتحديد الأنشطة الممنوعة»، وتابع: «صحيح أن درجة الالتزام كانت أعلى إلى حد كبير مقارنة بالنماذج السابقة، إلاّ أن الخرق دفع الميسرين إلى إعلان تجميد المفاوضات لعدم جدية الطرفين، وتزامن ذلك مع إعلان فرض عقوبات أميركية على شركتين لكل طرف وعقوبات شخصية شملت قيادات من حزب البشير المحلول».

ورأى أبو الجوخ، أن الجيل الثالث من الهدن بدأ بهدنة 24 ساعة، ثم 72 ساعة نتجت من الضغوط والتلويح بإمكانية رفع المفاوضات؛ لذلك جاءت درجة الالتزام بها عالية ولم يسجل أي خرق مباشر في شكل عمليات عسكرية سوى واقعة الهجوم على رئاسة جهاز المخابرات في اليوم الثالث يوم الثلاثاء.

ورأى أن المقصد الأساسي من تكرار الهدن بعد العودة لمسار جدة، هو التأكد من مدى التزام الطرفين وسيطرتهما على تحركات قواتهما على الأرض، ومقدار قابلية استجابتهما للضغوط كوسيلة أكثر فاعلية لوقف القتال؛ لأن عدم التزامهما الكامل بالهدن، قد يتطلب اتخاذ حزمة إجراءات أكثر صرامة علي الأرض؛ لفرض وقف إطلاق النار بشكل قسري، قد يكون من بينها فرض حظر جوي، أو نشر قوات تدخل لفرض السلام أو غيرها من سيناريوهات التدخل على الأرض. ومن الواضح أن الطرفين يتجنبان الدخول في هذا السيناريو، باعتباره سيضعف بشكل كبير فرص وجودهما المستقبلي عسكرياً وسياسياً. ومن الواضح أيضاً، أن محاولات مقاومة هذا الأمر عبر تعبئة الرأي العام «باتت معدومة بشكل كامل»

وأوضح «أن نجاح الهدن نجاحاً كاملاً يفتح الطريق أمام تطوير العملية صوب التقدم لمناقشة إجراءات الوقف الدائم لإطلاق النار، أو في الحد الأدنى، الدخول في حيز زمني لهدنة أطول يتم خلالها بحث الوقف الدائم لإطلاق النار، وفي تقديري، أن مخطط إغراق الأزمة السودانية بالمبادرات المتعارضة المحتوى، قد وئد تماماً بعد التعديلات على مبادرة (الإيقاد) التي باتت متسقة ومتوافقة وداعمة لمساري جدة والاتحاد الأفريقي من حيث تكامل المبادرات الثلاثة باتجاه العمل على إنهاء الحرب وتسليم السلطة والحكم للمدنيين، وإخراج القوات النظامية بما في ذلك الجيش والدعم السريع من السياسة، واستبعاد مجموعة حزب البشير المحلول من أي ترتيبات مستقبلية لحكم البلاد؛

إذ من الواضح أن تلك المجموعة ليست على استعداد لتغيير وسلوكها القائم على تحقيق مصالحها الذاتية ولو كان على حساب السودان وأمن واستقرار المنطقة. وهو ما يتطلب التعاطي مع هذه المجموعة وتصنيف قيادتها وعناصرها كجماعة إرهابية كأحد شروط معالجة مسببات الحرب، وضمان عدم اندلاعها مرة أخرى واستدامة الاستقرار في السودان والمنطقة».