صحيفة اللحظة:
وسط أزمة خانقة ومستقبل مظلم في المشهد السوداني، أطلق سياسيون بارزون من بينهم مبارك الفاضل المهدي مبادرة لإنقاذ البلاد. تحركات مكثفة تجلت في سيل من المبادرات المحلية والدولية لإخراج السودان من أزمته، كان آخرها ما أطلقه حزب الاتحادي الديمقراطي الأصل والأمة وفصائل اتحادية أخرى يشير أصحابها إلى أنها الأكثر جدية.
رئيس حزب الأمة والسياسي الأبرز مبارك الفاضل المهدي، تحدث لـ"العين الإخبارية" عن ملامح مبادرتهم لمعالجة الأوضاع بالسودان، قبل أن يرسم خارطة طريق لعبور مطبات الانتقال المدني الديمقراطي.
المهدي اعتبر أن تجاوز الأزمة السياسية والاقتصادية سهل لكنه يتطلب تشكيل حكومة محايدة من الكفاءات الوطنية "تكنوقراط" تعمل على معالجة الاقتصاد وترتب لعقد انتخابات عامة في يناير /كانون الثاني 2024 كأقصى حد، وتحديد دور القوات المسلحة في الفترة الانتقالية.
وشدد على أن الحوار يمثل طريق وحيد لتجاوز الأزمة الحالية، مؤكدا أن اللاءات الثلاث الشهيرة (لا تفاوض- لا شراكة – لا شرعية) ليست لها قيمة وسترتد على أصحابها الذين لا قاعدة لهم.
وتُرفع هذه اللاءات من قبل المحتجين وقوى الحرية والتغيير الشريك المدني السابق في السلطة الانتقالية والذي تم الإطاحة بقرارات قائد الجيش السوداني في يوم 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
مبارك المهدي اعتبر أن الشارع السوداني ليس جزءاً من الصراع الذي يجري بالخرطوم حالياً فهو غير مهتم بمن يحكم، وإنما يريد أن تتحسن حياته وخدماته ولا أعتقد أن له موقفاً رافضاً للحوار.
تفاصيل أخرى كشفها رئيس حزب الأمة والسياسي السوداني البارز مبارك الفاضل المهدي في حواره مع "العين الإخبارية":
بداية.. كيف تقرأ مجريات الواقع السياسي والاقتصادي بالسودان؟
توجد حالة جمود سياسي واقتصادي في السودان حالياً، ليس فقط نتيجة لقرارات 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي التي اتخذها قائد الجيش وعدم وجود حكومة والفراغ الإداري والسياسي الموجود، ولكنه جاء نسبة للممارسة السياسية الحكومية خلال الفترة من أغسطس/آب 2019 وحتى 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021، والتي شهدت أخطاء سياسية وتعطيل للإصلاح الاقتصادي المطلوب لمدة عام ونصف، والسماح لمعدلات التضخم بالتصاعد وعدم الاهتمام بالإنتاج، بجانب الصراع السياسي بين أطراف الحرية والتغيير.
كل ذلك أدى لتراكم الأخطاء مما أثر بشكل كبير على الوضع الاقتصادي السوداني، حيث التضخم والركود مما جعلنا نعيش حالة من التوهان السياسي والاقتصادي نتيجة للخطأ الذي ارتكب في تأسيس الفترة الانتقالية، فبدلاً من أن تكون معبراً لحكم منتخب شعبياً، صارت مرتعاً للصراع على السلطة واحتكار للسلطة من أحزاب صغيرة ليست لها قاعدة اجتماعية وحركات ليس لديها وضع سياسي.
نحن في الوقت الراهن نعاني من التأسيس الخاطئ للفترة الانتقالية وتداعياته على مجمل الأوضاع السياسية والاقتصادية.
من واقع تعقيدات الأزمة.. هل من سبيل للخروج منها خلال المدى القريب؟
نعم الخروج منها سهلاً، ولكن هذا يتطلب أن نعود للمسار الانتقالي الصحيح ونكلف حكومة محايدة "تكنوقراط" من الخدمة المدنية لإدارة البلاد في الاقتصاد والخدمات والترتيب للانتخابات العامة في أقرب مدة لا تتجاوز يناير/كانون الثاني 2024 بجانب تحديد دور القوات المسلحة في الفترة الانتقالية.
إذا فعلنا ذلك يمكن أن نخرج من هذه الأزمة ونعيد الأوضاع إلى نصابها، فالعودة للمسار المدني وترتيب البيت بهذه الصورة يفتح المجال أمام تدفق المساعدات الخارجية المجمدة من صندوق النقد الدولي والولايات المتحدة.
كما يفتح المجال أمام الدول الخليجية في أن تقدم مساعدات إلى السودان لتمكينه من الخروج من هذه الأزمة، وفوق كل ذلك إدارة رشيدة تدير الاقتصاد وتركز على الإنتاج.
أطلقتم مبادرة مع الفصائل الاتحادية لحل الأزمة السودانية.. ما خارطة طريقكم فيها؟
أطلقنا مبادرة مع الفصائل الاتحادية، وهذا لم يأت من فراغ والآن هناك جهد جاد لاستعادة قوى الوسط (وسطية التوجه) لمكانتها الطبيعية في إدارة دفة السياسة بالبلاد، لأن غيابها هو الذي أدى إلى أن تتحكم في مصائر البلاد والعباد مجموعة من الأحزاب الصورية التي ليس لديها سند اجتماعي وتؤدي بنا إلى الحالة التي نعيشها الآن.
سنعمل مع الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل ورئيسه محمد عثمان الميرغني وبقية الفصائل الاتحادية التي توافقت في القاهرة على قيادة هذه المبادرة وجمع كل القوى السياسية الراغبة في الاستقرار والتحول الديمقراطي والانتخابات.
سنجمع كل هذه القوى السياسية والمجتمعية التقليدية والحديثة والشباب ولجان المقاومة وغيرهم حول هذه المبادرة لتكون أساساً للمخرج الذي ننشده في إعادة مسار الانتقال وتشكيل حكومة محايدة من "تكنوقراط" لإدارة البلاد والترتيب للانتخابات.
هل أجريتم أي اتصالات مع أطراف الأزمة بشأن طرحكم للحلول؟
نحن على تواصل مع كل الجهات خاصة مع رئيس مجلس السيادة الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان وقادة القوات المسلحة السودانية، ولدينا حوارات ومشاورات مستمرة معهم قبل وبعد هذه الأزمة.
أيضاً لدينا تواصل ومشاورات مع معظم القوى السياسية في الساحة التي ترغب في حلول حقيقية ولا تنشد السلطة لنفسها كما حدث مع مجموعة الأربعة بالحرية والتغيير، وستكون هذه القوى عماد المبادرة التي نقودها سوياً مع الحزب الاتحادي الديمقراطي.
هناك عملية سياسية تقودها يونيتامس والاتحاد الأفريقي لحل الأزمة السودانية.. ما موقفكم منها؟
نحن على تواصل مع هذه الآلية، وجلس فريق مختص من حزبنا مع بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم المرحلة الانتقالية بالسودان (يونتامس) ورئيسها فولكر بيرتس وتناقش معه رؤية الحل، ثم جلست أنا وقادة الحزب مرة أخرى مع المبعوث الأممي وتباحثنا حول سبل الحل، وأيضاً جلسنا مرة أخرى مع سفير الاتحاد الأفريقي في الخرطوم محمد بلعيش.
كما التقينا مع مبعوث الاتحاد الأفريقي محمد ولد لبات، ورئيس يونيتامس وناقشنا معهم المبادرة الأممية الأفريقية، وبحثنا كل جوانب الأزمة السياسية بالسودان والحلول المرتجى لها، ونحن على تواصل يومي مع سفير الاتحاد الأفريقي حول مستجدات المبادرة وأفق الحل.
لذلك سنشرك المبادرة الأفريقية الأممية في مبادرة حزبي الأمة والاتحادي الديمقراطي والقوى السياسية الأخرى التي ستلتف حولها، ولا شك في أننا سنظل في تواصل مع المبادرة الأفريقية الأممية لأن أفكارنا متقاربة لحل هذه الأزمة.
ألا تعتقد أن كثرة المبادرات سيشتت جهود حل الأزمة بالسودان؟
بالطبع هناك مبادرات كثيرة، ولكنها أنواع فتوجد مبادرات صادرة عن الحرية والتغيير وهي القوى التي كانت تحكم البلاد، وكلها تصب في اتجاه العودة لما قبل قرارات قائد الجيش 25 أكتوبر (شراكة الوثيقة الدستورية) مع بعض التعديلات، لكنها لم تعد صالحة للوضع السياسي وإيجاد حل لهذه الأزمة.
هناك مجموعة أخرى من المبادرات صادرة عن قوى سياسية ومجتمعية مشفقة تعلن من خلال وسائل الإعلام وهي في تقديري لأجل إثبات الوجود، لأن المبادرة الجادة لإيجاد حلول لا تكشف تفاصيلها في الإعلام، مثلا نحن في حزب الأمة نناقش مبادرات مع القيادة العسكرية منذ شهر أغسطس/آب الماضي ولكن لا ننشرها لأن ذلك سيقوض التوافق عليها.
ما قمنا بنشره من مبادرتنا في القاهرة كانت مجرد خطوط عريضة تم برغبة بعض الأخوة ومولانا محمد عثمان الميرغني، ولكن هناك كثير من القضايا يجري التشاور حولها مع قيادة القوات المسلحة وأيضاً توجد أفكار نتحاور حولها مع القوى السياسية الأخرى.
أنا غير منزعج لكثرة هذه المبادرات فهي تعبير عن القلق والرغبة في المشاركة، فهي ليست بالضرورة متعارضة، وأنها هي المبادرات التي سينظر فيها وتكون أساسا للحل.
هناك تسريبات عن عودة مرتقبة للدكتور عبدالله حمدوك لمنصبه.. إن صحت هل ستدفع بالأزمة نحو الحل؟
هذه التسريبات غير صحيحة، فأنا أؤكد لك أن الدكتور عبدالله حمدوك غادر نهائياً ولن يعود، وهو الآن يؤسس عمل لشخصه بعيد كل البعد عن السودان وقضاياه.
حمدوك استقال ولن يعود وليست هناك جهود لاستعادته ولا توجد أي رغبة للقوى الدولية ولا الإقليمية في أن يعود لمنصبه، فهذه مرحلة انتهت وتم إغلاقها، فهو كان جزءاً من الأزمة الموجودة فبالتالي يصعب أن يعود وهو نفسه غير راغب في العمل وإلا فلما استقال من الحكومة الانتقالية.
الشارع السوداني متمسك بعدم التفاوض مما يجعل أي حلول تصطدم بهذا الموقف.. ما تعليقك؟
الشارع السوداني ليس رافضاً للحوار فهو يريد الاستقرار والإنتاج والخدمات(مياه وكهرباء وصولاً لحياة كريمة)، فهو غير معني بهذا الصراع الصفوي الذي يجري في أروقة السياسة السودانية في الخرطوم.
الشعب في ربوع السودان والأقاليم المختلفة يتفرج على هذه المهزلة التي تجري في الخرطوم.
أما بخصوص الحراك الشبابي الذي يجري في الخرطوم، فالشباب لديهم قضية خاصة بهم، فهم ضحايا لانهيار التعليم وظل بلا عمل سنوات طويلة، وحكومة الحرية والتغيير أهملتهم ولم تنظر لهم بحلول، أيضاً لديهم غبن فيما يتعلق بمقتل زملائهم في الاعتصام والمواكب التي سيرت في الأشهر الأخيرة وهذا محله العدالة الانتقالية.
بالتأكيد معالجة قضايا الشباب يمكن أن تتم عبر برلمانات شبابية في كل الولايات يعبرون فيها عن آرائهم وعما يطلبونه حتى ينقل ذلك إلى الأجهزة الرسمية والحكومة كتوصيات.
هناك حاجة لأن تنتبه الحكومة القادمة لمشكلة الشباب وتعمل على إيجاد حلول عاجلة، على سبيل المثال تكليف الشركات الوطنية بتبني أعداد من هؤلاء الشباب لإعادة تدريبهم وتوفير فرص عمل لهم مقابل إعفاءات ضريبية وجمركية وغيرها.
بالطبع هناك حاجة لبرنامج مكثف لمعالجة هذه القضية، فالشباب الذي يخرج في الخرطوم يتحدث عن المدنية ولا يربطها بالانتخابات ولا الأحزاب السياسية، فلو كره الأحزاب القائمة، يمكنه أن يشكل حركات وأحزاب لكنهم نشأوا في عهد حكومة "الإنقاذ" وليست لهم سابق خبرة بالعمل السياسي والعملية الديمقراطية فتجدهم دائماً يتحدثون عن المدنية غير الانتخابات وهذا غير ممكن في هذا الإطار.
الشباب أيضاً في بادئ الأمر كان ضد الكيزان، والآن أصبح مركزا على العسكر وهذه نتيجة للأوضاع والتداعيات التي حدثت في الفترة الأخيرة.
ولكن أنا لا اتفق بوجود شارع لديه مقف رافض للحوار، فالسودانيين يريدون الحرية والسلام والعدالة والاستقرار والتنمية وهي شعارات الثورة، كما أن العدالة قوضت، والاقتصاد والإنتاج أهمل بواسطة محموعة الأربع وحكومة الدكتور حمدوك، فالجميع أصبحوا مهتمين بهذه القضايا وليس بأن تتولى الحرية والتغيير السلطة أو انقلاب عسكري أو غيره.
أما الذين يرفعون اللاءات الثلاث ليست لهم قاعدة ولا نهتم بها لأنها سوف ترتد على أصحابها ولا قيمة لها.