صحيفة اللحظة:
تختلف الروايات الحكومية والأمنية والمحلية في إعطاء تفسير واضح لما يحدث في إقليم "دارفور" السوداني، ضاعت الحقائق أو تم التغطية عليها، قٌتل وجرح وهٌجر الآلاف من سكان المعسكرات ولا تزال الدماء تنزف.
هل هو صراع قبلي أم للاستحواذ على الثروات والموارد لصالح فئات بعينها..لماذا يقف العالم صامتا إلا بتصريحات الشجب والإدانة؟
بداية يرى القيادي في جبهة المقاومة السودانية، محمد صالح رزق الله، أن دارفور تخضع لمخطط يتم تنفيذه منذ فترة على الأرض يتعلق بـ"صناعة الفوضى"، وعلينا أن نتذكر أنه قبل عام ونصف من الآن تم إنهاء مهمة القوات الأممية "يوناميد"، وكنا نعلم تماما أن تلك الخطوة ليست اعتباطية وإنما تخدم مخطط واحد وهو إنهاء قضية دارفور وإكمال مسألة احتلال الأرض.
مخطط قديم:
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك"، أن ما يحدث وفق المخطط، أولا يتم طرد "اليوناميد" على أساس أن الحكومة لديها القدرة على حماية المنطقة، بعدها تم عمل اتفاقيات فوقية وتحتية في جوبا مع تجريد الحركات المسلحة من قدرتها وأن لا يكون لها أي فاعلية على الأرض و شيطنتها وأدخلوها في مآزق وتحالفات مع عدوها الأساسي، حيث تحالفت حركات دارفور والأجهزة الأمنية بالإضافة إلى الجنجويد، وما حدث هو أن كل سكان المعسكرات رفضوا هذا الأمر، فكانت الخطوة الثانية والمتمثلة في خلق الفوضى وتخويف الناس.
وتابع القيادي بقوى المقاومة، أن الجنجويد الذين هم عنوان قوات الدعم السريع ارتكبوا العديد من الجرائم الإنسانية ضد أهالي دارفور، وكانوا يطلقون عليهم "المتفلتين"، وبحساب بسيط، إذا كان هؤلاء متفلتين ويملكون السلاح فمن أين لهم الذخيرة، حيث لا توجد إمكانيات لدى العرب في الإقليم بأن يحصلوا على مثل هذا التسليح، ثم جاءت المرحلة الحالية وهى عملية حرق دارفور، وهذه المرة يتدخل بها عنصر خارجي، حيث تريد الشركات الأجنبية طرد الأهالي والاستحواذ على الأراضي التي يعيشون فيها المليئة بالثروات الطبيعية من ذهب ويورانيوم وماس.
وقال رزق الله، لكي تعمل تلك الشركات في هذه المناطق، لا بد لها من عملية إخلاء للسكان لكي تكون آمنة، ما حدث أن أهالي دارفور صمدوا دفاعا عن أرضهم، كما تحرك سكان المعسكرات ورفضوا الحركات، وأعلنوا أن قضيتهم حية ومن يريد التفاوض فليأت إليهم مباشرة، هذا الكلام لم ينال رضا السلطة الموجودة في الخرطوم، فعملوا على إفساد الموسم الزراعي عن طريق الجنجويد، والذين قاموا بإدخال أبقارهم وجمالهم إلى تلك الزراعات، وتكون الخطوة التالية هى خلق الفوضى عن طريق نهب مخازن الإغاثة التابعة للأمم المتحدة، وهى عبارة عن مخزون الغذاء لأهل دارفور في المعسكرات.
وأوضح أن هذا الأمر وضع أهالي الإقليم وبالأخص سكان المعسكرات في وضع سيء للغاية، زراعاتهم فسدت والمعونات تم الاستيلاء عليها، هنا وهذا هو المستهدف، أن يقوم هؤلاء بإخلاء الأرض لتستولي عليها الشركات والجميع على علم بهذا المخطط، فمن نهب المعونات هم الأجهزة الأمنية والجنجويد وحركات دارفور واستخدام المواطنين كتغطية بشرية.
الدفاع عن النفس:
وأشار رزق الله إلى أن أهل دافور لم يعد أمامهم سوى شيء واحد وهو تسليح أنفسهم والتصدي لهجمات الجنجويد وطردهم كما حدث منذ أيام، هذا الأمر سوف يقود إلى حرب شاملة في البلاد لن تكون في دارفور فقط، بل ستكون في كردفان أيضا والتي يحدث بها نفس سيناريو دارفور، هذا سوف يقود إلى سيناريو تقسيم الشعوب السودانية مشيرا إلى أن أهل الإقليم قادرون على حماية أنفسهم والدفاع عن حقوقهم.
وضع معقد::
من جانبه يقول عضو تنسيقية تيار الثورة السودانية، الدكتور لؤي عثمان، في الحقيقة أن الوضع في دارفور معقد، نعم هناك صراعات قبلية، لكن جوهر القضية أن الحكومة تستخدم المليشيا من القبائل العربية ضد القبائل غير العربية لممارسة عملية التطهير العرقي ومحاولة تغيير ديموغرافيا المنطقة، حيث تعمل تلك المليشيا على ترحيل السكان من تلك المناطق لكي تحل محلها مجموعات أخرى من ميليشيا الجنجويد ومن أهاليهم حتى من الدول المجاورة، وهم قبائل موالية للحكومة.
وأضاف عثمان في حديثه لـ"سبوتنيك"، ان الشكل الظاهر في مجازر دارفور هو الصراع القبلي، لكن مجموعات الجنجويد مسلحة بالعدة والعتاد وكل الأسلحة، وبالمقابل نجد القبائل التي تسكن تلك المناطق هى قبائل مسالمة لا تمتلك أي سلاح أو إمكانيات و يتم تهجيرهم، وتأتي قبائل أخرى موالية للاستحواذ على أراضيهم.
وأكد عضو التنسيقية، أنه لن يكون هناك استقرار في الإقليم ما لم يحدث تغيير في مؤسسات الدولة نفسها، وطالما أن السلطة نفسها تستخدم مؤسسات الدولة وميليشياتها وقبائلها في هذا الصراع، لن يكون هناك استقرار، وأن عمليات التغيير والتهجير التي تقوم بها المليشيات المدعومة من الدولة لن تؤدي إلا إلى المزيد من التوتر والتعقيد في المشهد الحالي.
كان مسلحون سودانيون قد نهبوا مستودعا تابعا لبرنامج الغذاء العالمي"يوناميد" يحتوي نحو 1900 طن من المساعدات الغذائية في دارفور، وسط تصاعد العنف في المنطقة الغربية.
وأفادت وكالة الأنباء السودانية الرسمية "سونا" بأن سكان الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، كشفوا عن وقوع إطلاق نار كثيف بالقرب من المستودع في وقت متأخر أول أمس الثلاثاء، وفرضت السلطات المحلية حظر تجول ليلي على المدينة بعد الهجوم.
فيما قال مسؤول ببرنامج الأغذية العالمي إنهم "يجرون تدقيقا لما سرق من المستودع، والذي يحتوي على نحو 1900 طن من المنتجات الغذائية"، التي تشكل إمدادات منقذة لحياة بعض الأشخاص الأكثر ضعفا، بحسب "فرانس برس".
وأُنشئت "يوناميد" قبل أكثر من 13 عاما بهدف حماية المدنيين في إقليم دارفور، الذي شهدا نزاعا مسلحا بين الحكومة وجماعات مسلحة أسفر عن مقتل آلاف وتشريد ملايين من سكانه، وفق الأمم المتحدة.
وكان عضو مجلس السيادة الانتقالي بالسودان الهادي إدريس أكد في 11 ديسمبر/كانون أول الجاري أنه وحسب بيان صادر من مجلس السيادة السوداني فقد أوضح إدريس خلال زيارته إلى معسكر "جديد السيل"، الواقع بمدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، أن "بسط الأمن في إقليم دارفور، يشكل أولوية قصوي للحكومة خلال الفترة المقبلة".
وأضاف إدريس أن "زيارته إلى شمال دارفور، تهدف للوقوف ميدانيا على الترتيبات اللوجستية والفنية وجاهزية المعسكر لاستقبال حوالى 3 آلاف و321 من القوات المشتركة"، مشيرا إلى أن "ما يحدث في دارفور من مهددات أمنية سينعكس سلباً على الأمن القومي ومجمل الأوضاع بالبلاد".
وقال إدريس "إننا نريد تجميع هذه القوات في معسكر جديد السيل، وهي ذات مهام محددة منوط بها حسم التفلتات الأمنية في دارفور، وانتشارها في ولايات شمال وغرب وجنوب دارفور".
وكان رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان، أعلن، أنه بصدد إنشاء قوات عسكرية مشتركة، تضم (الجيش والدعم السريع والشرطة وجهاز المخابرات)، خلال اجتماع طارئ للمجلس الأعلى المتعلق بتنفيذ الترتيبات الأمنية، يوم (الثلاثاء) الماضي، للحد من أحداث العنف القبلي بدارفور، غرب السودان.
يذكر أن بعض المناطق بإقليم دارفور غربي السودان، تعرضت لنزاعات عسكرية شبه قبلية، خلال الأيام القليلة الماضية، مما أسفر عن جرح وقتل عشرات المدنيين والمسلحين حسب ما أوردته لجنة طبية غير حكومية "لجنة أطباء السودان المركزية".
وتشهد مناطق عديدة في إقليم دارفور السوداني من آن لآخر اقتتالا داميا بين القبائل العربية والإفريقية، ضمن صراعات على الأرض والموارد ومسارات الرعي.
في 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أعلن البرهان حل مجلسي السيادة والوزراء الانتقاليين، وإعلان حالة الطوارئ في البلاد، ليُنهي بذلك الاتحاد الذي شكله المدنيون والعسكريون لإدارة الفترة الانتقالية التي أعقبت سقوط نظام الرئيس السابق عمر البشير في 2019.