صحيفة اللحظة:
تشهد دونباس جنوب شرق أوكرانيا تسارعا بالأحداث تزامنا مع إعلان جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك المعلنتين ذاتيا عن إجلاء المواطنين إلى روسيا، وسط تواصل القوات الأوكرانية استهداف أراضيهما.
الجانب الأوروبي على ضوء التصعيد سارع إلى إطلاق التصريحات ومنهم من دعا إلى ضرورة الحوار، إذ أكد المستشار الألماني، أولاف شولتس، استعداد الدول الغربية لإجراء مفاوضات مع روسيا حول المسائل الأمنية.
بدوره أعلن الأمين العام لـ"الناتو" ينس ستولتنبرغ أن الحلف لا يزال منفتحا على الحوار مع روسيا، مؤكدا في الوقت ذاته نيته حماية جميع الحلفاء، إلا أنه دعا روسيا لسحب قواتها من الحدود الأوكرانية، كـ"أول خطوة في تسوية الأزمة".
رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين اعتبرت أن التطورات الحالية حول أوكرانيا من شأنها تغيير النظام العالمي الحالي، محذرة من أن غزو هذا البلد قد يكلف روسيا "مستقبلا مزدهرا".
في حين ، أعلنت بريطانيا أنها اتفقت مع شركائها في الاتحاد الأوروبي ومجموعة الدول السبع (G7) على حزمة عقوبات ضد روسيا في حال غزت الأخيرة أوكرانيا.
ومع ارتفاع حدة الصراع شرق أوكرانيا وزيادة عمليات الإجلاء، أعلنت وزارة الطوارئ الروسية أنه سيتم توزيع اللاجئين من دونباس في سبعة مناطق في روسيا.
كما فرضت السلطات في روستوف الروسية حالة الطوارئ بسبب زيادة تدفق في عدد اللاجئين مع توقع المزيد من عمليات الإجلاء في الساعات المقبلة.
إلى ذلك على ضوء التصعيد في شرق أوكرانيا، أفادت وكالة "DPA" بأن حلف الناتو رفع مستوى تأهب قواته.كما أعرب رئيس وزراء أستراليا، سكوت موريسون، عن قلقه إزاء تطورات الوضع في أوكرانيا
من الجانب الروسي قال رئيس مجلس الدوما الروسي، فياتشيسلاف فولودين، إن موسكو لا تريد الحرب، لكنها مستعدة للدفاع عن مواطنيها في دونيتسك ولوغانسك.
أما الرئاسة الأوكرانية فأكدت أن الرئيس فلاديمير زيلينسكي سيغادر اليوم السبت إلى ألمانيا للمشاركة في مؤتمر ميونيخ للأمن، وسط التصعيد الحاد في منطقة دونباس بجنوب شرق بلاده.
وأعلنت جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك التعبئة العامة في الجمهورية لحماية أراضي الجمهورية على خلفية تزايد حدة القصف الأوكراني.
من جانب آخر. ميدانيا.. مصادر رسمية في روسيا أكدت أن قذيفة أطلقت من أوكرانيا، على خلفية التصعيد العسكري في منطقة دونباس، انفجرت اليوم السبت في مقاطعة روستوف الروسية، قرب الحدود بين الدولتين.
وسجلت جمهورية دونيتسك الشعبية المعلنة ذاتيا، اليوم السبت انتهاكات من قبل الجانب الأوكراني التي قصفت نوفوترويتسكوي بمنطقة دوكوتشيفسك للمرة الخامسة خلال الليل، وأطلقت 20 قذيفة من عيار 82 ملم.
وقالت شرطة دونيتسك إن القوات الأوكرانية أطلقت ما يقرب من 200 قذيفة ولغم خلال اليوم باتجاه أراضي الجمهورية.
كما سجلت جمهورية لوغانسك الشعبية المعلنة ذاتيا خمسة انتهاكات اليوم السبت من القوات المسلحة الأوكرانية و 31 انتهاكا لنظام وقف إطلاق النار خلال الـ24 ساعة الماضية.
وأعلنت وزارة الطوارئ في جمهورية دونيتسك الشعبية المعلنة ذاتيا أنه تم إجلاء أكثر من 6.5 ألف شخص من دونيتسك بينهم 2.5 ألف طفل.وتشهد منطقة روستوف الروسية توافد اللاجئين من لوغانسك ودونيتسك منذ ساعات، معظمهم من النساء والأطفال وكبار السن
كما أعلنت منطقة أورينبورغ جاهزيتها لاستقبال السكان الذين تم إجلاؤهم من دونباس.
بدورهم أبلغ مراقبو منظمة الأمن والتعاون في أوروبا عن 222 انتهاكا لوقف إطلاق النار الخميس على خط الجبهة في منطقة دونيتسك، بما فيها 135 انفجارا، مقابل 189 الأربعاء و24 الثلاثاء.
وأعرب وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن، عن اعتقاده بأن خطط روسيا لـ "غزو أوكرانيا " ليست خدعة.
وقال مسؤول في البنتاغون أن أكثر من 40% من القوات الروسية المحتشدة على حدود أوكرانيا اتخذت وضعية هجومية.
وأعلنت بعثة المراقبين الخاصة التابعة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا عن تسجيلها 870 انتهاكا لنظام وقف إطلاق النار في منطقة النزاع بدونباس في جنوب شرق أوكرانيا.
وأدلى الرئيس الأمريكي جو بايدن بتصريح بشأن الوضع في أوكرانيا، متهما دونيتسك ولوغانسك بانتهاك وقف إطلاق النار. وادعى بأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قرر "غزو أوكرانيا"، محذرا روسيا من العقوبات. وأجرى بايدن كذلك محادثات هاتفية مع زعماء عدد من الدول في الناتو وقيادة الحلف والاتحاد الأوروبي.
بدوره، أعلن قصر الإليزيه أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون سيتحدث هاتفيا الأحد مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، والسبت مع نظيره الأوكراني فلاديمير زيلينسكي. وتحدثت الحكومة الألمانية عن أهمية "إبقاء باب الدبلوماسية مفتوحا" مع روسيا.
وقالت "جمهورية دونيتسك الشعبية" إنها تخطط لإجلاء نحو 700 ألف من السكان المدنيين إلى روسيا. وبدأت الحافلات بالوصول إلى مقاطعة روستوف الروسية، وأعلنت عدة أقاليم روسية استعدادها لاستقبال اللاجئين.
وأعلن رئيس "جمهورية دونيتسك الشعبية" دينيس بوشيلين أن تطورات الأوضاع في دونباس تتجه نحو الحرب، بينما نفى سكرتير مجلس الأمن والدفاع الوطني الأوكراني، أليكسي دانيلوف، صدور أي أوامر لتحرير دونباس بالقوة.
وكانت الجمهوريتان الشعبيتان أعلنتا عن بدء إجلاء المواطنين إلى روسيا، تحسبا لهجوم عسكري وشيك من قبل قوات حكومة كييف.
وإثر إعلان بدء الإجلاء، انفجرت سيارة مساء اليوم، في محطة سيارات أمام مقر حكومة جمهورية دونيتسك، فيما أعلن قائد الشرطة الشعبية في الجمهورية أنه نجا من الانفجار.
في المقابل، اعتبرت الولايات المتحدة أن إعلان إجلاء مدنيين من الجمهوريتين يشكل "مناورة" من جانب موسكو تمهد لـ"هجوم عسكري وشيك".
وأكد الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، خلال لقاء مع نظيره البيلاروسي، الكسندر لوكاشينكو، أن السلطات الأوكرانية تقوض تطبيق اتفاقات مينسك، مبينا: "نرى اليوم تصعيدا للأوضاع في دونباس".
وفي السياق ذاته، حذر الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، من أن اندلاع حرب في أوكرانيا على خلفية التوتر مع روسيا سيؤدي إلى "كارثة" في المنطقة.
كما أعربت وزارة الخارجية الروسية عن قلقها البالغ من التطورات في شرق أوكرانيا، مشددة على "ضرورة وقف معاناة السكان".
وقال وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، يوم الجمعة، إن روسيا تتحقق من معلومات حول تجنيد مرتزقة من كوسوفو وألبانيا والبوسنة والهرسك لإرسالهم إلى أوكرانيا للحرب ضد منطقة دونباس.
وفي وقت سابق من يوم الجمعة، أعلنت جمهورية دونيتسك الشعبية عن تصدي قواتها لمحاولة مجموعتين تخريبيتين للجيش الأوكراني التسلل عبر خط التماس، ما خلف قتيلين على الأقل من أفرادهما.
وتواجه موسكو تهديدات بعقوبات غير مسبوقة من قبل الغرب في الوقت الذي تدعي فيه الحكومة في كييف والدول الأعضاء في الناتو بإصرار أن روسيا تحشد قوات كبيرة تجاوز تعدادها 100 ألف عسكري قرب الحدود مع أوكرانيا "تمهيدا لشن عملية غزو جديدة" للأراضي الأوكرانية.
وأكدت الحكومة الروسية مرارا أنه لا نية لها لشن أي عملية على أوكرانيا، مشددة على أن كل التقارير التي تتحدث عن ذلك كاذبة والغرض من هذه الادعاءات يتمثل في تصعيد التوتر في المنطقة وتأجيج الخطاب المعادي لروسيا استعدادا لفرض عقوبات اقتصادية جديدة عليها، وتبريرا لتوسع الناتو شرقا، الأمر الذي تعارضه موسكو بشدة قائلة إنه يهدد الأمن القومي الروسي.
يستمر الضغط على طول الحدود الروسية الأوكرانية، بينما تنفي موسكو أنها تنوي الغزو، علما أن القصف الواسع النطاق في شرق أوكرانيا أدى إلى زيادة المخاوف في كييف والعواصم الغربية من أن هجوما روسيا قد يكون وشيكا.
خلفية تاريخية حول التوتر بين روسيا وأوكرانيا:
ويتعلق التوتر القائم بين روسيا وأوكرانيا بالحدود البرية والنفوذ الاستراتيجي، حيث تعتبر روسيا أن أوكرانيا منطقة عازلة مهمة لحلف شمال الأطلسي، بينما ترى كييف أن موسكو معتدية على جزء من أراضيها.
وأعد تقرير لصحيفة "واشنطن بوست"، 4 خرائط تساعد في شرح الجذور العميقة للصراع بين الدولتين وأين تقف الأمور الآن.
تعود الروابط التاريخية إلى القرن التاسع، عندما نقلت مجموعة من الأشخاص يُطلق عليهم الروس عاصمتهم إلى كييف، وهو إرث طالما استحضره الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، عندما جادل بأن أوكرانيا مرتبطة بروسيا.
كانت أوكرانيا جزءا من الاتحاد السوفيتي حتى أعلنت استقلالها في أغسطس 1991.
وتدخل العلاقة التاريخية بين البلدين بشكل كبير في التوترات الحالية، حيث قال بوتين في يوليو الماضي: "أنا واثق من أن السيادة الحقيقية لأوكرانيا ممكنة فقط بالشراكة مع روسيا، معا كنا دائما وسنكون أكثر قوة لأننا شعب واحد ".
تأسس الناتو عام 1949 للحماية من العدوان السوفيتي، وتوسع التحالف منذ ذلك الحين ليشمل 30 دولة، بما في ذلك جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق ليتوانيا وإستونيا ولاتفيا.
وتنص المعاهدة على أنه في حالة غزو دولة واحدة أو مهاجمتها من قبل طرف ثالث، فإن جميع الدول في الناتو ستحشد جماعيا للدفاع عنها.
ويطالب الكرملين بضمانات من حلف شمال الأطلسي بأن أوكرانيا وجورجيا لن تنضما إلى الحلف، بينما تتمسك واشنطن وحلفاء الناتو بأن بوتين لا يمكنه إنكار هذا الحق لأوكرانيا، لكن لا يوجد شيء قيد العمل لمنح عضوية البلاد في أي وقت قريب.
وقد يؤدي انضمام أي من الدولتين إلى الحلف إلى زيادة تواجد الناتو على طول حدود روسيا.
عام 2014، ضمت القوات العسكرية الروسية شبه جزيرة القرم على البحر الأسود. كما سيطر الانفصاليون المدعومون من موسكو على المناطق الصناعية الشرقية في دونيتسك ولوهانسك، والواقعة على الحدود الروسية. وأودى الصراع الدائر في شرق أوكرانيا بحياة 14000 شخص.
ووفقا لتعداد عام 2001، حدد أكثر من 50 في المائة من السكان في شبه جزيرة القرم ودونيتسك اللغة الروسية باعتبارها لغتهم الأم. ويدعي بوتين أنه يدافع عن حقوق المتحدثين بالروسية في تلك المناطق.
ظلت هذه "الصراعات المجمدة" موجودة منذ ما بعد سقوط الاتحاد السوفيتي عام 1991، وتحديدا في جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق مثل أذربيجان ومولدوفا وجورجيا ويُنظر إليها على نطاق واسع على أنها جزء من استراتيجية الكرملين الأكبر لمد النفوذ والتهرب من العقوبات.
وعلى سبيل المثال، وجد تحقيق أجرته صحيفة واشنطن بوست عام 2018 أنه في شرق أوكرانيا الخاضع لسيطرة الانفصاليين، يقوم المسؤولون بتحويل الأموال إلى منطقة أوسيتيا الجنوبية الانفصالية المدعومة من روسيا في جورجي ، حيث يتم تحويل الأموال بعد ذلك إلى روسيا. ثم تستخدم روسيا الأموال لدفع ثمن البضائع التي يتم شحنها مباشرة إلى شرق أوكرانيا.
في ترانسنيستريا، انشق الانفصاليون الموالون لروسيا عن مولدوفا عام 1991، قائلين إنهم يتشابهون مع أوكرانيا وروسيا أكثر من ارتباطهم بجمهورية مولدوفا المشكلة حديثا والتي كانت أكثر ارتباطا برومانيا.
كما أصبح إقليم ناغورنو كاراباخ، وهو منطقة عرقية أرمنية داخل حدود أذربيجان المعترف بها دوليا، منطقة متنازع عليها بعد سقوط الاتحاد السوفيتي واستقلال البلدين.
وفي سبتمبر 2020، قُتل آلاف الجنود وشردت قرى بأكملها في صراع دموي استمر ستة أسابيع، وانتهى بوساطة روسية.
هذا وبلغ التوتر أشده في شرق أوكرانيا مع تسجيل اشتباكات وطلب انفصاليين موالين لروسيا إجلاء مدنيين نحو الأراضي الروسية في حين نددت الولايات المتحدة بـ"سيناريو" يقوم على الاستفزازات لتبرير تدخل عسكري روسي.
وحذر مسؤول كبير في البيت الأبيض، الجمعة، من أن العقوبات التي ستفرضها الولايات المتحدة وشركاؤها على موسكو، إذا ما قرر الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، غزو أوكرانيا، ستجعل من روسيا دولة "منبوذة".
وكررت روسيا، الجمعة، تصريحاتها مجددا أنها أجرت انسحابات جديدة لقواتها من الحدود مع أوكرانيا وهي معلومات تشكك بها كييف والدول الغربية.