صحيفة اللحظة:
جاءت الأنباء حول طلب رئيس مجلس السيادة السوداني، الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، من الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، اختيار بديل لمبعوثه الخاص في السودان، لتثير التساؤلات حول أسباب ذلك الطلب وسر توقيته.
وقالت مصادر في الرئاسة السودانية لوكالة “رويترز”، إن رئيس مجلس السيادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان طلب في رسالة إلى الأمين عام الأمم المتحدة اختيار بديل لمبعوثه الخاص في السودان، فولكر بيرتس.
والجمعة، قال المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك “الأمين العام مصدوم من هذه الرسالة… الأمين العام فخور بالعمل الذي قام به فولكر بيرتس ويؤكد مجددا ثقته الكاملة في ممثله الخاص”.
ما علاقة “الاتفاق الإطاري”؟
لم تذكر المصادر لـ”رويترز”، مزيدا من التفاصيل لكن بيرتس، الذي عُين عام 2021، ضغط في وقت سابق من أجل تحقيق الانتقال السياسي إلى الحكم المدني وهو ما اعترض عليه البعض في الجيش.
ومن جانبه يرجع الخبير الاستراتيجي، بابكر يوسف، أسباب الطلب لكون بيرتس “مهندس الاتفاق الإطاري” لانتقال السلطة إلى المدنيين الذي تسبب بالاقتتال الدائر حاليا بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.
ويعتبر “الاتفاق الإطاري” هو نقطة الخلاف بين البرهان، ومحمد حمدان دقلو (حميدتي) والجهات التي تقف وراءه ومنها قوى الحرية والتغيير المركزي، وفقا لحديثه لموقع “الحرة”.
وحسب الخبير الاستراتيجي فإن البرهان يعتبر قوى الحرية والتغيير بمثابة الجناح السياسي والحاضنة لقوات دعم السريع.
في العام 2019 وفيما كان السودان، أحد أفقر بلدان العالم، يبدأ مسيرة الانتقال الديموقراطي ويحظى بدعم المجتمع الدولي بعد حكم ديكتاتوري استمر 30 عاما، شكلت قوى الحرية والتغيير حكومة مدنية تقاسمت حكم البلاد مع العسكريين.
وكان يفترض أن تقود البلاد إلى انتخابات حرة لتسليم السلطة كاملة للمدنيين لكن في 25 أكتوبر 2021 وفيما كان استحقاق الانتخابات يقترب، أغلق قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان الباب أمام هذا التحول الديموقراطي على نحو مفاجئ
ووقتها نفذ البرهان انقلابا عسكريا أطاح خلاله بالمدنيين الذين كانوا يتقاسمون السلطة مع العسكر لإدارة مرحلة انتقالية تمّ الاتفاق عليها بعد فترة من الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير عام 2019.
وتولى البرهان رئاسة مجلس السيادة الحاكم، وكان حميدتي نائبا له.
وعلى الرغم من ذلك، لم يدم التفاهم طويلا، إذ وصف حميدتي في فبراير انقلاب البرهان بأنه “خطأ” و”فتح الباب أمام عودة النظام القديم”، في إشارة الى أنصار عمر البشير.
وجاءت تلك التصريحات بعد شهرين من توقيع البرهان وحميدتي على اتفاق إطاري ضم أطرافا مدنية تشمل قوى الحرية والتغيير التي قادت الاحتجاجات ضد البشير، كخطوة أولى في عملية سياسية كانت تهدف إلى إنهاء الأزمة السياسية التي نتجت عن الانقلاب العسكري، حسب “فرانس برس”.
ووضع الاتفاق مبادئ توجيهية لعملية انتقالية من دون أي جداول زمنية، ما دفع منتقديه إلى وصفه بأنه “غامض”.
وتعهد المسؤولان العسكريان في الاتفاق بالخروج من السياسة بمجرد تكوين حكومة مدنية.
إلا أن الاتفاق السياسي اصطدم بعقبة ساهمت في توسيع الشقاق بين البرهان ودقلو، وهي مسألة دمج قوات الدعم السريع في الجيش النظامي، ما قاد لاحقا للصراع الذي اندلع منتصف أبريل بين الحليفين السابقين.
ويرى يوسف أن “الاتفاق الإطاري قد جاء بعدم التوافق بين المكونات السياسية”، وقد انساق المبعوث الأممي وراء مطالب قوى الحرية والتغيير المركزي التي هددت بفرض الاتفاق أو وقوع حرب، على حد قوله.
ووصف الكثير من معارض “الاتفاق الإطاري”، بأنه برنامج علماني ضد توجهات التيار الإسلامي العريض، وفقا لحديث الخبير الاستراتيجي.
أسباب واهية؟
على جانب آخر، يبدى الخبير الاستراتيجي السوداني، اللواء كمال إسماعيل، “تعجبه واستغرابه”، من طلب البرهان، مشيرا إلى أن بيرتس جاء إلى السودان بطلب من “الحكومة المدنية” وقتها.
وخلال فترة عمله بذل المبعوث الأممي “جهودا كبيرة”، ولم يكن “السبب وراء اندلاع الحرب”، لكنه سهل الوصول إلى “الاتفاق الإطاري” الذي كان حوله “بعض الخلافات”، وفقا لحديثه لموقع “الحرة”.
ويقول اللواء إسماعيل “لا يمكن أن نحمل فشلنا على الآخرين، وهو لم يقرر أو يفرض أي شيء، وكان القرار للسودانيين وحدهم”.
وعمل المبعوث الأممي على تسهيل الوصول للاتفاق الإطاري بموافقة من الجيش والدعم السريع وقوى سياسية مختلفة، وكانت السودان تتجه إلى “تشكيل حكومة مدنية” وحل مشكلات البلاد، قبل أن تندلع الاشتباكات التي يدفع الشعب ثمنها “كل يوم”، حسب الخبير الاستراتيجي.
محل خلاف؟
يوضح المحلل السياسي والخبير القانوني السوداني، محمد عبدالله ودا أبوك، أن المبعوث الأممي قد جاء وفق تفويض محدد متعلق بدعم الانتقال السياسي في السودان.
وخاض المبعوث الأممي في قضايا سياسية ولم يقدم دعما واضحا وملموسا طوال الفترة الماضية، وفقا لحديثه لموقع “الحرة”.
ويقول “المبعوث الأممي لعب أدوارا أضرت بالانتقال السياسي وفشل في خلق تواصل مع كل الأطراف السياسية في السودان”.
ولذلك أصبح تحركات المبعوث الأممي “محل خلاف كبير في الأوساط السياسية السودانية”، حسب ما ذكره المحلل السياسي.
ويرى واد أبوك أن المبعوث الأممي لم يستطيع “التحرك بشكل إيجابي” لحل الأزمة التي تشهدها السودان، وخاصة بعد الاقتتال الأخير.
ويقول إن “المنظمات الإقليمية مثل الاتحاد الأفريقي والإيغاد” كانا أكثر قدرة على التعامل مع الأزمة من الأمم المتحدة.
مطالب شعبية؟
يرى بابكر أن طلب البرهان بتغيير المبعوث الأممي “مدعوم بمطالب شعبية”.
ويشير إلى مطالبة متظاهرين في العاصمة الخرطوم ومدينة بورتسودان “شمال شرق البلاد”، برحيل المبعوث الأممي، واتهامه بالتسبب في “انقسام البلاد”.
وفي 4 مايو، نظم سودانيين مظاهرة أمام مقر إقامة موظفي الأمم المتحدة في مدينة بورتسودان، بشمال شرق السودان، مطالبين بطرد المبعوث الأممي من البلاد.
وفي 18 مايو، تجمع مئات المتظاهرين المؤيدين للجيش السوداني أمام الفندق الذي يتواجد فيه بيرتيس في الخرطوم، وذلك لمطالبته بمغادرة البلاد.
ولذلك يريد البرهان الاستفادة من تلك “الوقفات الشعبية” لطرد المبعوث الأممي وتأكيد أنه “أصبح شخصا غير مرغوب فيه داخل السودان”، وفقا لحديث يوسف.
وفي 23 مايو، كتب نشطاء إلى مبعوث الأمم المتحدة إلى السودان يرحبون باتفاق وقف إطلاق النار الذي وقعه الجيش والدعم السريع، لكنهم اشتكوا من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان تُرتكب بحق المدنيين قالوا إنها وقعت مع احتدام القتال وطالبوا بفتح تحقيق فيها.
وكتب النشطاء رسالة إلى بيرتس يشكون فيها من القصف العشوائي والغارات الجوية على مناطق سكنية وكذلك أخذ المدنيين كدروع بشرية وعمليات القتل خارج نطاق القضاء والتعذيب والعنف الجنسي، وفق “رويترز”.
ومن جانبه يحذر اللواء إسماعيل من “تداعيات طلب البرهان”، ويقول إن الأمم المتحدة سترفض الطلب، ما يزيد من الأزمة التي تعيشها السودان.
ويجب أن يجلس جميع الأطراف لحل إشكالية الاقتتال، وعدم تحميل “أي طرف خارجي” مسؤولية ما يحدث داخل البلاد، وفقا لحديثه.
ويرى المستشار السياسي لقائد قوات الدعم السريع، يوسف عزت، أن القوى التي ترفض العودة للمسار الديمقراطي هي وحدها التي “تندد بعمل المبعوث الأممي”.
ومنذ انقلاب ٢٥ أكتوبر، ظل البرهان “حانقا” على مساعي المبعوث الأممي الهادفة للعودة إلى فترة انتقالية يقودها المدنيين، وفقا لتصريحاته لموقع “الحرة”.
ووفقا لمستشار الدعم السريع، فقد كانت مجهودات المبعوث الأممي تنصب في دعم العملية السياسية التي توجت بالتوقيع على “الاتفاق الإطاري” في ٥ ديسمبر ٢٠٢٢.
وكان من المفترض أن يتوج ذلك الاتفاق بآخر نهائي في مطلع أبريل الماضي، وبموجبه تتشكل حكومة مدنية وتخرج المؤسسة العسكرية من الحكم، وهو ما رفضه الجيش والإسلاميون، حسبما يشير عزت.
ووفقا لعزت فإن خطاب البرهان القاضي بطرد المبعوث الأممي “مرتبط بموقف الإسلاميين عموما من البعثة الأممية التي مهمتها حماية الانتقال الديمقراطي”.
المصدر: الحرة – وائل الغول