رغم أن السورية، مريم فارس، تعيش في العاصمة المصرية، القاهرة، حيث أجريت الانتخابات في السفارة السورية، فإنها لم تذهب للاقتراع واصفة إياها بأنها “مسرحية ومهزلة”.
وتقول فارس لموقع “الحرة”: لم أذهب إلى الانتخابات لأنها ليست حقيقية، وإلا لكنت عدت إلى بلادي”.
وتعتبر الناشطة السورية، سيما نصار، التي تعيش في العاصمة البريطانية، لندن، منذ ثلاث سنوات “إجراء الانتخابات بهذا الشكل إهانة للشعب السوري، سواء للمعارضين وحتى المؤيدين، لأنهم حتى لم يبذلوا جهدا ليظهروا الانتخابات وكأنها جديدة”.
أما مؤيد الذي اضطر للفرار من سوريا، في عام 2014، فشكر الدولة الألمانية التي تستضيفه “لأنها منعت “الانتخابات” على أراضيها”، ويرى أن “من يريد أن ينتخب بشار الأسد فليذهب إلى سوريا ويأكل من خيراتها ويظل هناك”.
وخصص النظام السوري، يوم الخميس الماضي، للمقيمين خارج سوريا، للإدلاء بأصواتهم في سفارات بلادهم وقنصلياتها. لكنّ قانون الانتخابات يتيح فقط لمن يحملون جوازات سفر سارية وغادروا البلاد بطريقة شرعية الاقتراع، وهو ما لا يسري على ملايين النازحين واللاجئين الذين فرّوا من المعارك والقصف. “مجبرون”
ويقول مؤيد لموقع “الحرة” إن “ما يحدث هو ضحك على الشعب السوري لأنه من المعروف أن بشار الأسد الذي سيعلن فوزه سواء تم انتخابه أو لا، وحتى منافسيه في الانتخابات فقد اختارهم النظام حتى تكتمل المسرحية”.
ويشير السوري الذي رفض ذكر اسم عائلته إلى أنه لو كان في سوريا “فلن أذهب للانتخابات لأن صوتي لن يقدم ولن يؤخر. سيتم الإعلان عن فوز بشار بـ55 في المئة وآخر بـ30 في المئة أما الثالث فسيقولون إنه حصل على 15 في المئة حتى تكتمل المسرحية بشكل يحاول فيها إقناع العالم بأنه كانت هناك انتخابات رغم أنه ليس فيها أي نزاهة ولا شفافية”.
وتقول سيما نصار إن “المنافسين الذين اختاروهم كان أداؤهم مريعا لدرجة أن الإعلام السوري نفسه استهزأ بهم”.
وبالإضافة إلى الأسد، يخوض مرشّحان آخران غير معروفين السباق الرئاسي، هما الوزير والنائب السابق، عبدالله سلوم عبدالله، والمحامي، محمود مرعي، من معارضة الداخل المقبولة من النظام، وسبق أن شارك بين ممثليها في إحدى جولات المفاوضات برعاية الأمم المتحدة في جنيف، والتي اتّسمت بالفشل.
وتؤكد مريم أنه “ليست هناك انتخابات حقيقية أساسا. حتى من يطبلون للنظام ويخرجون يتغنون له، ليس بمزاجهم، وإنما هم مضطرون لفعل ذلك، لأنهم يعيشون تحت مظلة النظام، ولو لم يفعلوا ذلك، يتضررون ماديا أو شخصيا وقد يتم اعتقالهم فقط لعدم المشاركة في هذه المهزلة”.
أما صديقة سيما الموجودة في دمشق، فلم ترد أن تشارك في العملية، واضطرت إلى غمس أصبعها في حبر لديها حتى تذهب إلى عملها الحكومي، الخميس، ولا يتم مضايقتها .
وتشير سيما إلى أن “هذا لا يعني أن هناك عنصر مخابرات على كل شخص سوري. يكفي أن رئيس الدائرة يرسل للموظفين في دائرته أنه يزورهم في اليوم التالي للانتخابات، ويركز على من يده مغموسة في الحبر ويسألهم عن كيف كانت الانتخابات، ولا يجوز أن يقول أحد إنه لم يذهب للانتخابات لأنه سيتم وضع علامة عليه”.
وفي حمص وسط البلاد وريفها الشمالي، انتشرت منذ قرابة أسبوع “خيام انتخابية”، وتوزعت في أحياء رئيسية وسط المدينة، بالإضافة إلى مدن أخرى بعيدة بضع كيلومترات، كتلبيسة والرستن والحولة والفرحانية، وهي المناطق التي تعرضت لقصف جوي وصاروخي لعدة سنوات.
وتنتشر صور الأسد “في كل مكان”، بحسب سكان في مدينة حمص وريفها تحدثوا لموقع “الحرة”، وهناك “الخيام منصوبة والدبكات لا تنقطع ليل نهار. صور ولافتات المنافسين الآخرين مرعي وسلوم تعد على الأصابع وتنحصر في ثلاثة شوارع ليست رئيسية”.
وترى سيما أن “الخوف هو ما يجبر الناس على الخروج في المسيرات المؤيدة، حتى في السجون المركزية نادوا على المعتقلين غير المحكوم عليهم بالاسم وذهبوا بهم إلى مراكز الاقتراع لإجبارهم على المشاركة في الانتخابات، وذلك لترسيخ حالة الرعب عند الناس والتأكد من خضوعهم”.
وفي لبنان، تدور سيارات في المخيمات بمكبرات الصوت لتعلن أن هناك انتخابات في السفارة السورية وأن النقل مؤمن، بحسب سيما التي توضح أن “هذا يعني أن عليهم أن يذهبوا وإلا سيعيشون في خوف من أنه ستسجل عليهم نقطة إذا لم يذهبوا للسفارة للانتخابات، وهم يحتاجون أحيانا السفارة لاستخراج بعض الأوراق التي تطلبها الحكومة اللبنانية”.
وما يؤكد على نهج النظام في انتهاك إنسانية وكرامة المواطن السوري، بحسب سيما، هو “إعادة وضع صور بشار الأسد أو تماثيله في المناطق التي يعيدها إلى سلطته، فقط ليخبر الناس بأنه جاثم على قلوبهم، بدلا من أن يسعى لمصالحة الشعب وخلق علاقة معه”.
والأسد (55 عاما) الذي انتشرت صوره في الشوارع والساحات، اتخذ عبارة “الأمل بالعمل” شعارا لحملته الانتخابية، في محاولة لتسليط الضوء على دوره المقبل في مرحلة إعادة الإعمار، بعد عقدين أمضاها في سدة الرئاسة وشهد نصفهم نزاعا مدمرا أودى بحياة أكثر من 388 ألف شخص وشرد أكثر من نصف السكان داخل البلاد وخارجها. “استقرار مزيف”
وتقول فارس: “هناك استقرار شكلي لكنه مزيف. ليست هناك حياة، ولا أمان. مقومات الحياة الأساسية غير موجودة، والوضع الاقتصادي متدهور”.
وتضيف “حتى لو كان هناك عمل فإنه لا يسد الرمق”، مشيرة إلى أنها لم تفكر أصلا في العودة إلى سوريا.
ويقول مؤيد “نعم ليس هناك حرب دائرة في سوريا مثلما كان الوضع قبل سنوات، الاشتباكات هدأت بشكل كبير، لكن ليست هناك حياة ولا كهرباء ولا مرتبات، إما غنى فاحش أو فقر داهم”.
ويضيف: “غالبية الموجودين في سوريا إما نساء أو شيوخ أو أطفال أو عناصر الجيش المؤيدين للنظام” ويقول: “لولا المغتربين لكان الشعب السوري الموجود في الداخل قد مات من الجوع”.
ويوضح أن الشباب الذي غامر بحياته وهاجر إلى أوروبا هم من يقومون بتوفير مرتب شهري يرسلوه لأهاليهم وأقاربهم.
وحلت “الانتخابات”، فيما ترزح سوريا تحت أزمة اقتصادية خانقة، وشهدت الليرة تدهورا غير مسبوق مقابل الدولار. وبات أكثر من 80 في المئة من السوريين يعيشون، وفق الأمم المتحدة، تحت خط الفقر.
ويقول مؤيد “ليس هناك مستقبل مع وجود هذا النظام في الحكم. النظام الاقتصادي كل يوم أسوأ من الذي قبله، ليس هناك كهرباء في حلب أو حمص أو المحافظات الأخرى، ليس هناك عمل، والوضع المعيشي صعب”.
ويشير مؤيد إلى أن الموظف الذي يعمل في دوائر الدولة يحصل على 200 ألف ليرة سورية، أي 50 دولارا في الشهر.
ويضيف: “كل شيء ارتفع ثمنه في سوريا، على الأقل إيجار البيت 100 ألف ليرة، أما كيلو اللحم فيساوي 20 ألفا”. حلم العودة
بالرغم من أن مؤيد حصل على الجنسية الألمانية بعدما كان لاجئا، فإنه يحلم بالعودة إلى سوريا “اليوم قبل الغد”. هذا الحلم يراود “ملايين الشباب مثلي، لكننا لا نستطيع، مع وجود هذا النظام لأننا جميعا مطلوبين لدى الدولة ومطلوبين للخدمة في الجيش”.
طلب السوري الشاب في الحوار خروج الأسد من المشهد تماما والتوصل إلى حل سياسي من خلال جلوس “الشرفاء في المعارضة وكذلك الشرفاء في النظام السوري، وإن كانوا قلة، على طاولة حوار واحدة، لأننا في النهاية نريد حلا ومستقبلا أفضل لسوريا”.
أما نصار التي لجأت إلى بريطانيا، فتقوم بتوثيق الانتهاكات ومتابعة ملف الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري وتوثيق العنف الجنسي بمراكز الاحتجاز، وهي شريكة في رفع دعوى قضائية في ألمانيا ضد التعذيب الذي يمارسه النظام السوري.
وقالت “ما يجعلني أستمر في نشاطي هو حلمي في العودة يوما ما إلى سوريا”.
وتضيف: “كل هذا النشاط غايته أن نصل إلى شيء يجعلنا نتمكن من العودة إلى سوريا، ويوم ما أبطل أحلم، هبطل نشاطي وحتى كوني موجودة هنا”.
المصدر: الحرة