صحيفة اللحظة:
قالت صحيفة “نيويورك تايمز” إن العديد من المواطنيين السودانيين باتوا غير قادرين على الخروج من بلادهم بطريقة شرعية عقب إتلاف جوازات سفرهم من قبل الدبلوماسيين في السفارة الأميركية لدى الخرطوم قبل إجلائهم عقب اندلاع الاشتباكات الدامية في البلاد.
وأوضحت الصحيفة أن الدبلوماسيين أتلفوا بعض الوثائق السرية والملفات الحساسة قبل مغادرتهم، ومن ضمنها جوازات سفر بعض السودانيين الذين كانوا قد تقدموا بطلبات للحصول على تأشيرة دخول إلى الولايات المتحدة.
ونقلت الصحيفة عن مصادر مطلعة أن الدبلوماسيين كانوا قد أنهوا عملية إتلاف الوثائق الحساسية تزامنا مع هبوط طائرات الهليكوبتر من طراز “شينوك” التي سارعت إلى إجلاء الدبلوماسيين، عند منتصف ليل 23 أبريل الماضي.
ونبهت تلك المصادر إلى أن عملية الإتلاف كانت بدأت قبل خمسة أيام من قرار الرئيس الأميركي، جو بايدن، رسميا إجلاء موظفي السفارة، حيث جرى وضع تلك الوثائق في آلات تمزيق الورق، في حين جرى استخدام المطارق لتدمير الأجهزة الإلكترونية.
“نحن أيضا بشر”
وعبرت سلمى علي، وهي مهندسة، قدمت جواز سفرها إلى السفارة الأميركية قبل ثلاثة أيام من اندلاع الحرب، عن حزنها بعد إتلاف جواز سفرها.
وقالت بأسى في اتصال مع الصحيفة الأميركية في منزلها بالخرطوم: “يمكنني سماع هدير الطائرات الحربية وأصوات القصف العنيف من نافذتي.. وأنا حاليا محاصرة هنا بلا وسيلة للخروج”.
وكانت سلمى، البالغة من العمر 39 عاما، تأمل في السفر إلى شيكاغو، هذا الشهر، لحضور دورة تدريبية، ومن هناك تشد رحالها إلى فيينا لتباشر عملها الجديد مع إحدى منظمات الأمم المتحدة.
وتابعت: “عوضا عن الحصول على وظيفة أحلامي، أصبحتُ حبيسة المنزل مع والدي وأمي، ونأمل ألا تصل نيران المعارك إلينا”.
وتابعت بصوت يرتجف: “أنا محبطة للغاية.. قام الدبلوماسيون الأميركيون بإجلاء مواطنيهم، لكنهم لم يفكروا في السودانيين.. نحن بشر أيضا”.
من جانبه، قال الحاج شرف الدين (26 سنة) للصحيفة إنه كان قد جرى قبوله للحصول على درجة الماجستير في علوم الكمبيوتر في جامعة ولاية أيوا، وبالتالي كان من المفترض أن يستلم جواز سفره وتأشيرته، في 16 أبريل، أي بعد يوم واحد من اندلاع القتال.
وأشار إلى أن السفارة الأميركية أخطرته قبل خمسة أيام عبر البريد الإلكتروني بأن جواز سفره قد جرى إتلافه.
وتابع وهو يتحدث من المنزل الذي لجأ إليه منذ أن اجتاح العنف حيه: “هذا أمر قاس.. الوضع خطير للغاية هنا”.
“قرار مؤلم”
وفي المقابل، قال العديد من الشهود والمسؤولين المطلعين على عملية الإجلاء إن قرار إتلاف جوازات السفر كان مؤلما للمسؤولين الأميركيين الذين أدركوا أنه سيعيق المواطنين السودانيين عن الفرار.
وأوضح بعض المسؤولين أن عملية تمزيق جوازات ووثائق المواطنين السودانيين جاءت بسبب التخوف من وقوعها “في الأيدي الخطأ”، خصوصا بعد إخلاء كامل السفارة وعدم معرفة مصير ما بداخلها مع اشتداد المعارك في الخرطوم.
وأكد المسؤولون أنهم كانوا يتبعون نفس البروتوكول الذي أدى إلى إتلاف العديد من جوازات السفر الأفغانية أثناء إخلاء السفارة الأميركية لدى كابول، في أغسطس من عام 2021، وهو ما أثار أيضا جدلا.
وفي هذا السياق، قال توم مالينوفسكي، عضو الكونغرس السابق من ولاية نيوجيرسي، الذي ساعد الأفغان الذين تقطعت بهم السبل، في عام 2021، إن جواز السفر هو “قطعة ثمينة ومنقذة للحياة”.
وأكدت وزارة الخارجية الأميركية أنها أتلفت جوازات السفر، بيد أنها امتنعت عن الإفصاح عن عددها.
وقالت مسؤولة أميركية، طالبة عدم ذكر اسمها، للصحيفة بموجب سياسة وزارة الخارجية فإن “الإجراءات خلال مثل هذه المواقف تتطلب اتخاذ الاحتياطات اللازمة لعدم ترك أي مستندات أو مواد أو معلومات يمكن أن تقع في الأيدي الخطأ، وبالتالي قد يُساء استخدامها”.
وأضافت “نظرا لأن الأوضاع الأمنية لم تسمح لنا بإعادة جوازات السفر بأمان إلى أصحابها، فقد اتبعنا الإجراءات المعتادة لإتلافها بدلا من تركها دون تأمين”.
سفارات أخرى:
وفي سياق متصل، ذكرت الصحيفة الأميركية أن دولا أخرى حجزت جوازات السفر الخاصة بالمواطنين السودانيين مع إغلاقها مقرات سفارتها في الخرطوم.
لكن معظم هذه الدول لم تمزق جوازات السفر، بل تركتها داخل السفارات المغلقة، وعليه لا يستطيع السودانيون حتى هذه اللحظة الوصول إليها، وهو ما خلق حالة غضب على وسائل التواصل الاجتماعي.
وردا على أسئلة تخص مصير جوازات سفر السودانيين، قالت فرنسا إنها أتلفت جوازات سفر طالبي التأشيرات لأسباب أمنية فقط، فيما أكدت سبع دول أنها أبقت الجوازات داخل مقراتها لحين عودة الأمور إلى طبيعتها.
ومع ذلك يقول طالبو التأشيرات السودانيون الذين طلبوا المساعدة في السفارات الأجنبية التي تحمل جوازات سفرهم إنهم قوبلوا بالتجاهل أو الصمت أو بنصائح غير مفيدة، مثل إخبارهم بضرورة الحصول على جواز سفر جديد.
وقال منتقدون سودانيون إن السفارات كان بإمكانها بذل جهد أكبر، خاصة أنها خصصت إجراءات كثيرة لإجلاء مواطنيها.
وكانت طائرات عسكرية من بريطانيا وفرنسا وألمانيا وتركيا قد أقلعت حاملة آلاف الأشخاص من الخرطوم، كما رصدت طائرات أميركية بدون طيار حافلات تقل أميركيين أثناء سفرهم إلى ميناء بورتسودان على البحر الأحمر، في رحلة طولها 845 كلم.
وقالت وزارة الخارجية الهولندية ردا على أسئلة إنها على “اتصال نشط” مع المتضررين، بينما نصح دبلوماسيون إسبان من فقدوا وثائق في السفارة “بالحصول على جوازات سفر أخرى”.
وأما الدبلوماسيون الهنود، فقالوا إنهم لم يتمكنوا من الوصول إلى مقر السفارة، وكتب أحدهم على تويتر: “السفارة لا تزال ضمن مناطق اشتباكات عنيفة”.
وكان الكثير من الأجانب قد تمكنوا من الخروج من البلاد بدون وثائق سفر، بينما لم يكن هذا الخيار متاحا أمام السودانيين.
ويقول السوداني، ماهر الفيل، الذي تقطعت به السبل في وادي حلفا، على بعد نحو 30 كلم من الحدود مع مصر، إن السفارة الإسبانية لم ترد حتى على رسائل البريد الإلكتروني المتعلقة بجواز سفره، مردفا: “لقد اكتفوا بتجاهلي”.
وختم بالقول: “ليس لدي أي خيارات.. كل ما أملكه حاليا هو الانتظار”.