صحيفة اللحظة:
شهدت أروقة المقر الرئيسي للأمم المتحدة، الاثنين، تقاطر ما يصل إلى 85 من رؤساء الدول واثنين من نواب الرؤساء و51 من رؤساء الحكومات والمئات من كبار المسؤولين من كل أنحاء العالم، للمشاركة في افتتاح الاجتماعات رفيعة المستوى للدورة السنوية الـ 77 للجمعية العامة للمنظمة الدولية في نيويورك.
وانضم كثيرون بينهم إلى أوسع حشد للدبلوماسية الدولية على الإطلاق، بعدما تأخروا بسبب مشاركتهم في المراسم الجنائزية العظمى التي أقيمت في لندن وداعاً للملكة إليزابيث الثانية، متجاوزين أيضاً القيود المشددة التي فرضت خلال الدورات الثلاث الماضية بسبب تفشي جائحة “كوفيد – 19″، للبحث عن حلول للتهديدات والتحديات العالمية المتزايدة.
وفيما أدت مراسم جنازة الملكة إليزابيث إلى إرجاء غير معتاد لكلمة الرئيس الأميركي جو بايدن، بدا واضحاً غياب زعماء مؤثرين للغاية عن الدورة الجديدة للجمعية العامة، وأبرزهم على الإطلاق الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين الذي أمر جيوشه بغزو أوكرانيا فيما يسميه “عملية عسكرية خاصة” بدأت قبل أكثر من 6 أشهر، والصيني شي جين بينغ الذي يتقاسم مع زعيم الكرملين هواجس المواجهة المتصاعدة سياسياً ودبلوماسياً واقتصادياً مع الغرب بزعامة الولايات المتحدة والدول الرئيسية في أوروبا، ما أضفى “مزاجاً كئيباً”، بسبب العقوبات الخطيرة لغزو أوكرانيا، وإمكان أن يثير ذلك شهية بكين على استعادة تايوان إلى الأرض الأم تحت شعار صون “الصين الواحدة”، واستمرار التوتر المتعلق بالملفات النووية الأخرى، وأشدها خطورة في كوريا الشمالية وإيران. وسيغيب أيضاً رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي الذي يقود واحدة من كبرى الديمقراطيات وأكثرها تنوعاً.
وإذا كان الزعماء المجتمعون سيركزون على التحديات المستجدة ودفع العالم نحو استقطابات جديدة في النظام العالمي بطرق لا نظير لها منذ الحرب الباردة، فإن التأثير المتواصل للحرب في أوكرانيا على ارتفاع أسعار المواد الغذائية في كل أنحاء العالم يأخذ حيزاً واسعاً من الاهتمام، بالإضافة إلى استمرار التركيز على أزمة الطاقة التي تعكر صفو الاقتصاد العالمي، والمخاوف بشأن الاضطرابات المناخية مثل الفيضانات المدمرة في باكستان، فضلاً عن الهواجس الكبرى المتعلقة بتحسين التعليم ومحو الأمية والتغلب على التحديات المناخية وموجات الهجرة والسعي إلى إرساء السلام والقضاء على الفقر.
وعلى هامش الاجتماعات، ستعقد الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي مؤتمراً مشتركاً بشأن انعدام الأمن الغذائي وارتفاع الأسعار الثلاثاء، علماً بأن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش سيستضيف اجتماعاً منفصلاً مع زعماء العالم الأربعاء، لمناقشة التحديات الرئيسية الثلاثة للحرب: ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة والاقتصادات المتدهورة.
وأقر جوتيريش بأن الجمعية العامة “تجتمع في وقت خطر كبيرط، لأن “عالمنا مليء بالحرب، وتضربه فوضى المناخ، وندوب الكراهية، ويخيبه الفقر والجوع وعدم المساواة”.
ومن المتوقع أن تستخدم الدول الغربية منصة الجمعية العامة لإدانة الغزو الروسي لأوكرانيا، باعتباره هجوماً على النظام العالمي والقانون الدولي ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة الذي يحظر العدوان على دولة مستقلة وذات سيادة.
ويتوقع أن تحدد كلمة بايدن الأربعاء، مسار الدورة السنوية هذه بالتركيز على أوكرانيا وتغير المناخ ودور الأمم المتحدة.
ويرجح أن يخاطب الحشد الدولي الذي تغير بشكل كبير منذ العام الماضي، عندما ألقى أول خطاب رئاسي له في الأمم المتحدة وسعى إلى إعادة تأكيد القيادة الأميركية العالمية بعد سنوات “أميركا أولاً” خلال عهد سلفه الرئيس السابق دونالد ترمب.
وخلال العام الماضي، دافع بايدن عن قراره سحب القوات الأميركية من أفغانستان وسعى إلى تعزيز الديمقراطية في وقت تتصاعد فيه المشاعر الاستبدادية بجميع أنحاء العالم.وصور أميركا وحلفاءها الغربيين كشركاء حيويين، قائلاً إن “أمننا وازدهارها وحريتنا مترابطة كما لم يكن من قبل”.
ويتوقع أن يؤكد بايدن على اهمية هذا التحالف هذا العام أيضاً، مواصلاً دعوته إلى الوحدة لدعم أوكرانيا في سعيها إلى صد الغزو الروسي، مع حض زعماء العالم على مواصلة الجهود الدبلوماسية لمنع إيران من تطوير أسلحة نووية، والعمل سوية لمواجهة الصعود الاقتصادي والعسكري للصين.
ورغم أهمية هذه القضايا، سيشير الرئيس الأميركي إلى مواصلة جهوده لإقناع الحلفاء بأن الولايات المتحدة عادت إلى دورها القيادي في القضايا الدولية الحاسمة للحرب والحوكمة وحماية البيئة.
وستتيح له الجمعية العامة فرصته الأولى للترويج لتوقيعه الشهر الماضي، على قانون يعد أهم خطوة في التاريخ الأميركي نحو الحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري التي تدفع إلى تغير المناخ.
وسيكون للكلام عن المناخ وقع طيب عند جوتيريش الذي رأى خلال اجتماع مجلس إدارة الاتفاق العالمي للأمم المتحدة مساء الأحد، أن تحقيق انتقال عادل ومنصف للطاقة يمثل “أحد أكبر التحديات التي تواجه عالمنا”.
وقال إن الكوارث المناخية والارتفاع الهائل في أسعار الوقود أوضح بجلاء الحاجة إلى “إنهاء إدماننا العالمي للوقود الأحفوري”، مشدداً على أهمية الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة، وبناء القدرة على الصمود، وتوسيع نطاق التكيف.
وأضاف: “لو استثمرنا بشكل كبير في الطاقة المتجددة بالماضي، لما كنا في خضم حالة طوارئ مناخية الآن”. ورأى أن مصادر الطاقة المتجددة هي “المسار الوحيد الموثوق” في سبيل تحقيق أمن حقيقي واستقرار الأسعار في مجال الطاقة وفرص العمل المستدامة.
ودعا إلى زيادة حصة مصادر الطاقة المتجددة في توليد الكهرباء العالمية من نحو 30% اليوم، إلى أكثر من 60% عام 2030، و90% عام 2050.
وعرض خطته للطاقة المكونة من 5 نقاط للتحول إلى مصادر الطاقة المتجددة: أولاً، التعامل مع التقنيات باعتبارها “منافع عامة عالمية” متاحة مجاناً. وثانياً، سلط الضوء على الحاجة إلى تأمين وزيادة وتنويع سلاسل التوريد لتقنيات الطاقة المتجددة. وثالثاً، تكافؤ الفرص بالنسبة لمصادر الطاقة المتجددة.
ورابعاً، تحويل الدعم من الوقود الأحفوري إلى الطاقة المتجددة، حيث أشار إلى أن الحكومات تنفق كل عام نحو نصف تريليون دولار لخفض سعر الوقود الأحفوري بشكل مصطنع «أكثر من 3 أضعاف ما تحصل عليه مصادر الطاقة المتجددة».
وخامساً، أهمية مضاعفة الاستثمارات العامة والخاصة في مصادر الطاقة المتجددة إلى 3 أضعاف إلى 4 تريليونات دولار سنوياً على الأقل.
واختتمت الاثنين، قمة كبرى عن “تحويل التعليم” استمرت3 أيام وكانت افتتحتها نائبة الأمين العام أمينة محمد، التي جددت التأكيد على الحاجة إلى التحول التعليمي، بما يؤدي إلى الإنصاف والشمول وإعادة التفكير في المناهج والابتكار في التدريس، مشددة على الحاجة إلى تمويل أكثر وأفضل.
ووصفت التعليم بأنه “نظام بيئي ضخم” يدعم كثيراً من الأهداف السامية الأخرى ودعت إلى التحلي “بالشعور بالإلحاح” في توسيع نطاق المشاريع.
وسيضع اجتماع الأمم المتحدة هذا الأسبوع إيران والولايات المتحدة وأطرافاً أخرى تحت سقف واحد بعد 5 أشهر من المفاوضات غير المثمرة لإعادة الاتفاق النووي الموقع عام 2015 مع إيران.
لكن فرصة عقد اجتماع رسمي مشترك على هامش الجمعية العامة لإعادة إطلاق المفاوضات ضئيلة، وفقاً لمسؤولين أميركيين ودبلوماسيين أوروبيين.
وتخطط كل من إيران والغرب لتقديم حجة للعالم في نيويورك مفادها أن الطرف الآخر هو المسؤول. وتجادل إدارة بايدن بأن طهران هي المسؤولة عن الجمود في المحادثات لاحتواء برنامجها النووي، وتقول إنها تقدم مطالب جديدة تتجاوز نطاق الاتفاق.
وكانت الدورة السنوية الـ 74 للجمعية العامة عام 2019 هي آخر مرة التقى فيها الأعضاء شخصياً قبل الوباء.
وقال الناطق باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك: “نحن سعداء للغاية بعودة أسبوع رفيع المستوى للجمعية العامة شخصياً بعد عامين”، مضيفاً أن “الدبلوماسية الشخصية أمر محوري لما يدور حوله الاجتماع”.
وعام 2020، عُقد التجمع السنوي افتراضياً مع إلقاء القادة خطابات مسجلة مسبقاً. وهذه هي المرة الأولى في تاريخ الأمم المتحدة البالغ 75 عاماً التي تم فيها إلغاء الحضور الشخصي.
وخلال العام الماضي، اعتمدت الأمم المتحدة مزيجاً من الحضور الشخصي والخطب المسجلة مسبقاً اعتماداً على ما تفضله كل دولة.
تجدر الإشارة إلى ان رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان والوفد المرافق له سوف يغادرون إلى نيويورك غداً للمشاركة في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وأكدت المصادر ان البرهان سيخاطب أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة ويعقد اجتماعات على هامش الجمعية العامة أبرزها مع أنطونيو غوتيريش خلال الزيارة الرسمية التي تمتد ثلاثة أيام ويضم وفد البرهان إلى نيويورك وزيري الخارجية والدفاع وعدداً من المسؤولين .