صحيفة اللحظة:
كان مصدران مقربان من حمدوك، قالا لرويترز، الثلاثاء، إن رئيس الوزراء أبلغ مجموعة من الشخصيات الوطنية والمفكرين الذين اجتمعوا معه بأنه يعتزم التقدم باستقالته من منصبه خلال الساعات المقبلة.
وذكر المصدران أن مجموعة الشخصيات التي تحدث معها حمدوك، الثلاثاء، دعته إلى العدول عن قراره، إلا أنه أكد إصراره على الاستقالة.
ويرى بعض الخبراء والمحللين أن تقديم حمدوك لاستقالته سوف يدخل البلاد في مرحلة خطيرة من الصراعات وعدم الاستقرار.
وقال رئيس مركز الدراسات الدولية، الفريق حنفي عبدالله، إن طريقة تسريب اعتزام رئيس الوزراء تقديم استقالته "تشير إلى رغبة الأخير في الحصول على أكبر دعم له من القوى والأحزاب السياسية والمجتمعية في البلاد، مضيفا: "ولكن هذا غير ممكن خاصة مع وجود العديد من الخلافات بين تلك القوى والأحزاب التي ليس لديها رؤية مشتركة أو موقف واضح تجاه الأزمة في البلاد".
وأشار عبدالله في حديثه لموقع "الحرة" إلى أن حمدوك وفي حالة استقالته في الأسبوع القادم كما ظهرت تسريبات أخرى، على حد قوله، فإن مجلس السيادة سوف يعين شخصا آخر يعمل على تشكيل حكومة تكنوقراط يغيب عن المجلس المركزي (قوى الحرية والتغيير).
وأضاف: "بالتالي سوف تظهر تلك المعارضة على أنها هي ما تعرقل تنفيذ الإعلان السياسي الذي جرى توقيعه في 21 نوفمبر، وهذا يعني أنها سوف تكون عرضة للعقوبات الدولية باعتبارها الطرف الذي يعرقل الاتفاق والتحول الديمقراطي".
يتفق المحلل السياسي ورئيس تحرير جريدة السودان، أشرف عبد العزيز، مع الفريق عبدالله بأن التلويح بالاستقالة هو "رسالة من حمدوك للقوى السياسية بالعمل على التوافق فيما بينها ودعمه خلال المرحلة الانتقالية التي سوف تؤدي بالنهاية إلى الانتخابات ودخول البلاد مرحلة جديدة".
بيد أن عبد العزيز يرى في حديثه مع موقع "الحرة" أن حمدوك يهدف من وراء خطوته التي لا يزال يصر عليها، وفقا لكلامه، "بالضغط كذلك على المكون العسكري في مجلس السيادة"، مضيفا: "عندما وافق حمدوك على العودة إلى منصب رئيس الوزارء فإن أحد أهدافه المعلنة من وراء ذلك كانت حقن الدماء مع سقوط عشرات الشهداء خلال الاحتجاجات، ولكنه يرى أن المؤسسة العسكرية والأمنية لا تزال تنهج نفس أسلوبها القعمي في التعامل مع الناس والتظاهرات السلمية ووصل الأمر إلى حوادث اغتصاب بحق بعض النساء والفتيات".
وأعيد حمدوك إلى منصبه في 21 من نوفمبر، في أعقاب انقلاب وقع قبل ذلك بشهر، سيطر خلاله الجيش على السلطة وأنهى شراكة انتقالية مع أحزاب سياسية.
وشارك مئات الآلاف في مسيرة مطلع الأسبوع صوب القصر الرئاسي، رفضا للحكم العسكري وقرار حمدوك العودة إلى منصبه. وكان حمدوك قال إنه عاد للحفاظ على المكتسبات التي تحققت خلال العملية الانتقالية ولوضع حد لإراقة الدماء.
وكانت قوى الحرية والتغيير المعارضة قد أكدت، في مؤتمر صحفي، الخميس، عملها على "بناء جبهة موحدة" لما أسمته بـ "الانقلاب"، واصفة الاتفاق الذي وقعه رئيس الوزراء السوداني، عبدالله حمدوك، مع الجيش بأنه "طعنة في ظهر الشعب السوداني".
وشددت على أنه "لابد من بناء علاقة جديدة بين المدنيين والعسكريين تقوم على النأي بالمؤسسة العسكرية عن السياسة والسلطة"، مشيرة إلى أن "الانقلاب يراهن على تمزيق الشارع السوداني وتفريق المعارضة".
من جانبه لا ينكر عضو قوى الحرية والتغيير، حاتم إلياس، أن "قوى الحرية والتغيير قد تدفع حمدوك إلى الاستقالة بسبب توقيعه للاتفاق مع العسكر والذي رفضته المعارضة والذي جرى في ظروف لم يكن التواصل مع القوى الحرية والتغيير".
وتابع إلياس في حديثه إلى موقع "الحرة": "حمدوك تصرف مع الأزمة بسبب خبرته الأممية أو بالأصح تصرف كموظف أممي أي الخروج بأقل الخسائر، وبالتالي لم يتعامل مع الانقلاب بشدة وحزم والإصرار على تنفيذ كافة مطالب الثورة".
ونوه إلى أن قوى المعارضة "سوف يلحق بها ضررا" إذا استقال حمدوك، متابعا: "وبالتالي يجب عليها أن تكون مرنة لأنه الفراغ وغياب حاضنة سياسية حول حمدوك، وأن تفكر بطريقة عقلانية وأن توسع رؤيتها وتصبح مرنة في التقديرات السياسية لأن الفراغ الذي سوف ينجم عن رحيل حمدوك سوف يسعد الكثير من القوى التي ترفض الانتقال الديمقراطي"
ويرى إلياس أن استقالة حمدوك سوف تعقد المشهد، "فهو ما زال رغم الخلاف معه بعد الانقلاب يشكل رمزا للمدنية في البلاد، وهناك رهان عليه في أن يكون أحد قادة المرحلة نحو الدولة المدنية الديمقراطية".
وزاد: "في حال أحضر المجلس العسكري رئيسا للوزارء فسوف يطرح ذلك أسئلة المشروعية مما يهدد بمواجهات كاسحة ضد الانقلاب والتي لم تفقد زخمها أصلا، وإذا كان هناك أصوات تطالب برحيل حمدوك من قبل المعارضة فهي ضعيفة، وهذا يؤكد أن هناك قبولا شعبيا ويبقى هو في الفترة الحالية الشخصية المقبولة لقيادة الحكومة".
وأكد مدير مركز السياسات الدولية أن "السودان سوف يدخل في مرحلة خطيرة"، مشيرا إلى أن "القوى السياسية اليسارية التي تحاول أن تثير الشارع تعلم يقينا أنها في الانتخابات لن تحصل على أكثر من ثلاث مقاعد في أحسن الأحوال كما حدث في تجارب ديمقراطية خاضتها البلاد".
كان حمدوك قد قال في بيان في مطلع الأسبوع الماضي، إن السودان يقترب من حافة "الهاوية"، وأرجع ذلك إلى العناد السياسي وغياب التوافق على اتفاق سياسي جديد.
من جهته، قال عبد العزيز إن "الوضع بالأساس متأزم وبالتالي سوف يزداد المشهد السياسي تعقيدا، وعندها سوف يأتي مجلس السيادة بشخص آخر ليعوض رحيل رئيس الوزراء الحالي وغالبا سوف يكون أداة بيد العسكر".
أما القيادي في قوى الحرية والتغيير المجتمع المدني، بشرى الصايم، فيوضح في حديثه لموقع "الحرة" أن المشهد السياسي السوداني بدأت تعقيداته تشتد منذ القطيعة ما بين المكون العسكري والمدني في أول أكتوبر بعد إلغاء الاجتماعات بين المكونين في المجلس السيادي أو اللجان الأخرى حتى ٢٥ أكتوبر ليلة الانقلاب، وازدادت لاحقا بعد الانقلاب".
وقال: "هو لم يستقل وإنما هدد، وفي حال تنحى عن منصبه فإن ذلك سيزيد المشهد المرتبك ارتباكا وهو أصلا غير متوافق مع ما يحدث تعقيدات جديدة وأولها التوافق على اختيار رئيس وزراء، ووزراء لحكومة تقود المرحلة المتبقية من الانتقال وبالتالي فإن استقالته سوف ينجم عنها انهيار الاتفاق الذي وقع بينه وبين البرهان".
وتابع: "عندها لن نعرف بأي طريقة سوف تحكم البلاد، بالوثيقة الدستورية القديمة التي عدلها البرهان أم بالوثيقة التي سوف تنهار باستقالة حمدوك وهي وثيقة بين طرفين وليس مكونين مدني وعسكري ولا تنص في حالة انهيارها على وجود بديل مما يدخل البلاد في حالة من الصراعات وعدم الاستقرار السياسي".
وفيما إذا كان حمدوك سوف يحظى بمستقبل سياسي بعد استقالته، قال عبد العزيز: "لا أعتقد أنه سوف يبقى بالبلاد، فهو بالأصل أتى من الخارج للمساهمة في عملية انتقال سياسي نحو نظام ديمقراطي مستقر، وإذا شعر أنه فشل في هذه المهمة فسيحزم حقابئه ويتجه إلى صالة المغادرين في المطار".
المصدر:الحرة