صحيفة اللحظة:
تستعد العاصمة السودانية الخرطوم للتوقيع الإثنين على «الاتفاق الإطاري» بين قادة الجيش وتحالف المعارضة الرئيسي في البلاد «الحرية والتغيير»، وسط حضور دولي وإقليمي كبير في القصر الجمهوري. وستنضم للتوقيع أحزاب سياسية من خارج «الحرية والتغيير» لكنها تدعم عملية التحول لنظام مدني ديمقراطي، فيما تتخلف عن التوقيع بعض الحركات المسلحة المنضوية تحت اتفاقية «جوبا للسلام»، أهمها حركة «العدل والمساوة» بزعامة وزير المالية الحالي جبريل ابراهيم، وحركة «تحرير السودان» بقيادة حاكم إقليم دارفور، مني أركو مناوي.
وجاء الإعلان عن توقيع الاتفاق من مجلس السيادة، عقب اجتماع عقد مساء الجمعة، ضم رئيس مجلس السيادة قائد الجيش الفريق عبد الفتاح البرهان، ونائبه قائد قوات «الدعم السريع» الفريق محمد حمدان دقلو المعروف بـ«حميدتي»، مع قادة القوى السياسية الموقعة على الإعلان السياسي، بحضور ممثلين لـ«الآلية الثلاثية» الدولية وسفراء كل من المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة ودولة الإمارات وبريطانيا، بالإضافة إلى سفراء من دول الاتحاد الأوروبي.
وينهي الاتفاق المزمع توقيعه، أزمة سياسية تجاوزت العام، خلفها تولي الجيش السلطة في 25 من أكتوبر(تشرين الأول) 2021 وإعلان حالة الطوارئ وحل الحكومة المدنية واعتقال بعض الوزراء والقيادات السياسية، حيث عاشت البلاد من دون حكومة طوال هذه الفترة، بينما كان الجيش يسير الأمور رغم التدهور الاقتصادي الحاد وعزل السودان عن المؤسسات المالية الدولية. ويمهد «الاتفاق الإطاري» لتشكيل حكومة مدنية جديدة من كفاءات مستقلة تدير الفترة الانتقالية البالغة 24 شهراً بدءاً من توقيع الاتفاق، وتنتهي بإقامة انتخابات للتحول إلى نظام ديمقراطي برلماني.
وأكد المجتمعون مساء الجمعة، بحسب بيان صادر عن مجلس السيادة، أن الاتفاق السياسي الإطاري يمثل أساساً لحل الأزمة السياسية الراهنة في البلاد، بناءً على التفاهمات التي تم التوصل إليها بين الأطراف العسكرية والمدنية. وأمن الاجتماع على أن يظل الحوار مفتوحاً لمشاركة الأطراف الأخرى المتفق عليها، لتطويره في المرحلة الثانية التي تنتهي بتوقيع اتفاق نهائي وترتيبات دستورية انتقالية، في غضون أسابيع محدودة، تمهيداً لتشكيل الحكومة المدنية التي ستقود المرحلة الانتقالية وصولاً لانتخابات حرة ونزيهة يختار فيها الشعب السوداني من يحكمه. وأشار البيان أيضاً إلى أن الأطراف السودانية اتفقت على توقيع الاتفاق الإطاري يوم الاثنين بحضور دولي وإقليمي ومحلي، تمهيداً لمرحلة جديدة تستشرفها البلاد.
من جانبه، قال متحدثون باسم تحالف «الحرية والتغيير» إن الاتفاق السياسي الإطاري يؤسس لسلطة مدنية انتقالية حقيقية، تتولى «أعباء تنفيذ أهداف ثورة ديسمبر (كانون الأول) 2018، وتعقبه مباشرة مرحلة إكمال تفاصيل بعض القضايا لتأسيس الدستور الانتقالي». وجدد التحالف الدعوة لمشاركة واسعة مما سماه «قوى الثورة وأصحاب المصلحة» لتوحيد وترتيب الصفوف للمساهمة في الانتقال المدني الديمقراطي المستدام.
وفي موازاة ذلك، فشل ليلة الجمعة انعقاد اجتماع بين المجلس المركزي لتحالف «الحرية والتغيير» مع «الكتلة الديمقراطية» التي تضم مجموعات مناوئة لـ«الحرية والتغيير» في منزل السفير السعودي بالخرطوم، علي بن حسن جعفر، إذ اعتذرت مجموعة المجلس المركزي عن عدم حضور الاجتماع بسبب ما سمته «وجود أشخاص في الكتلة الديمقراطية غير مرغوب فيهم».
وكان مقرراً أن يحضر الاجتماع من جانب «الحرية والتغيير» الأمين العام لحزب «الأمة» أكبر أحزاب البلاد، الواثق البرير، وأيضاً القيادي في حزب «المؤتمر السوداني» خالد عمر يوسف، الذي شغل منصب وزير شؤون الرئاسة في الحكومة المدنية السابقة برئاسة عبد الله حمدوك، والتي أقالها الجيش. أما من جانب «الكتلة الديمقراطية» التي تضم الحركات المسلحة، فقد كان مقرراً أن يحضر رئيس حركة «تحرير السودان» مني أركو مناوي ورئيس حركة «العدل والمساواة» جبريل إبراهيم.
وقال البرير «وافقنا على مبادرة سعودية للقاء جبريل ومناوي، لكننا فوجئنا بوجود أطراف لا علاقة لها بمسار التحول المدني الديمقراطي». ومن جانبه، حذر مناوي من المضي قدماً في توقيع الاتفاق الإطاري قائلاً «إن الاتفاق مفروض علينا غصباً عن إرادتنا قبل الجلوس والنقاش فيما بين الأطراف المختلفة، عدا حزب المؤتمر الوطني المعزول (حزب الرئيس السابق عمر البشير)». كما أعلن جبريل إبراهيم في مؤتمر صحافي مساء أنهم يرفضون أي «اتفاق ثنائي» بين الجيش وتحالف «الحرية والتغيير».
وستجرى مراسيم التوقيع على الاتفاق من قبل القادة العسكريين والمدنيين في القصر الرئاسي بالخرطوم، بمشاركة «الآلية الثلاثية» التي تضم هيئة الأمم المتحدة و«الاتحاد الأفريقي» ومنظمة التنمية الأفريقية الحكومية «إيقاد»، والبعثات الدبلوماسية الغربية والعربية.
ووفق «الاتفاق الإطاري»، سيخرج قادة الجيش والدعم السريع من العمل السياسي نهائياً، لكنهم سيشاركون بممثلين في «مجلس الأمن والدفاع» الذي ستحدد مهامه وصلاحياته وفق الدستور الانتقالي، ويرأسه رئيس الوزراء المدني، الذي ستختاره القوى السياسية الموقعة على الإعلان الدستوري. كما يحدد الاتفاق أن يكون رأس الدولة شخصية مدنية ترأس أيضاً القوات المسلحة وقوات الدعم السريع. ويحظر الاتفاق تشكيل ميليشيات عسكرية أو شبه عسكرية.
ونص الاتفاق أيضاً على إصلاح الأجهزة الأمنية والعسكرية ودمج قوات «الدعم السريع» وجيوش الحركات المسلحة لتكوين جيش مهني قومي واحد، على أن يتم الاتفاق على برنامج الإصلاح في الدستور الانتقالي بواسطة القيادة العسكرية. كما تم الاتفاق على تفكيك وتصفية نظام البشير المعزول على نحو يلتزم بسيادة حكم القانون واحترام الحقوق الأساسية.
لكن «الاتفاق الإطاري» أرجأ حسم 4 قضايا لإتاحة الفرصة لمزيد من النقاش حولها بمشاركة جماهيرية واسعة وأصحاب المصلحة للتوصل إلى توافق بشأنها وضمها إلى الاتفاق النهائي. وتلك القضايا هي: ملف العدالة الانتقالية، وملف الإصلاح الأمني والعسكري، وإجراء تقييم وتقويم لاتفاقية جوبا للسلام، ومحاولة توسيع عملية السلام عبر ضم الحركات غير الموقعة على اتفاق جوبا للحاق بركب السلام.
وكانت مبعوثة الاتحاد الأوروبي للقرن الأفريقي أنييت ويبر، قالت يوم الخميس، في اجتماع مع رئيس مجلس السيادة الفريق البرهان إن تشكيل حكومة في المستقبل القريب سيؤدي إلى تجديد التزام الاتحاد بدعم السودان.
ونقل بيان لمجلس السيادة عن ويبر قولها «نتطلع إلى الخطوة القادمة المتمثلة في تشكيل حكومة تشجع الاتحاد الأوروبي على تقديم الدعم لتوفير احتياجات الشعب السوداني». وأضافت أن «تشكيل حكومة في المستقبل القريب يجعلنا نجدد التزام الاتحاد الأوروبي بدعم السودان ويمكننا من العمل جنباً إلى جنب لبناء مستقبل السودان».
في غضون ذلك، نظم أنصار النظام المعزول وحلفاؤه مسيرة أمام مقر البعثة الأممية بضاحية المنشية في الخرطوم، للتعبير عن رفضهم التسوية السياسية الحالية، وأيضاً احتجاجاً على ما سموه «التدخل الأجنبي في شؤون السودان». وكانت هذه المجموعة قد سيرت مواكب مشابهة في الأسابيع الماضية للأسباب نفسها، وهم يرددون أن التسوية السياسية الحالية فرضتها على السودان جهات أجنبية.
المصدر: الشرق الأوسط