صحيفة اللحظة:
تواصلت تظاهرات حاشدة في عدد من المدن السودانية، الثلاثاء، للمطالبة بالحكم المدني وتنحي العسكريين عن السلطة، في وقت يستمر فيه خلاف الأطراف السياسية بشأن رؤية موحدة لاستئناف التحول الديمقراطي في البلاد، عقب استقالة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك.
وبدأت أحزاب سودانية محاولات للتوافق على "ميثاق موحد"، وأكدت رفضها فرض المكون العسكري لـ"أمر واقع".
ودخل السودان أزمة سياسية جديدة مع استقالة حمدوك، وذلك بعد أقل من شهرين على الإجراءات التي اتخذها الجيش في أكتوبر الماضي.وتبدو الأمور حالياً في السودان أشبه ما تكون بالانسداد السياسي، بسبب تباين مواقف الأطراف السياسية بشأن مآلات التحول الديمقراطي خلال المرحلة المقبلة بعد استقالة حمدوك.
وقال المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير، في بيان رسمي، إن استقالة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك "نهاية مباشرة للانقلاب"، مؤكدين "ضرورة هزيمة الانقلاب وإقامة دولة مدنية كاملة". وجاء في البيان أن "إرادة الشعب غالبة، ولا يمكن تجاوزها أو تجاهل أولوياتها".
وقال المتحدث باسم المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير إن "هذا الائتلاف يتعهد بالتصعيد الثوري حتى إسقاط الانقلاب".
وأوضح القيادي بحزب البعث العربي الاشتراكي عادل خلف الله لـ"تصريحات صحفية"، أن قوى الثورة متجهة نحو تشكيل جبهة شعبية، وبلورة موقف نحو اللحظة الحاسمة بانتصار الإرادة الشعبية، وإسقاط ما وصفه بـ"الانقلاب العسكري"، و"رفض أي محاولات أخرى من الشرعنة وفرض أمر واقع".وأضاف: "كل الشعب السوداني يعبر عن تطلعاته وأنه كلما زاد العنف والقمع، زاد عدد الشهداء والمواكب".
وذكر خلف الله أن "حمدوك وضع نفسه باتجاه حتمية الاستقالة بالعودة إلى العسكريين"، مشيراً إلى توقيع رئيس الحكومة المستقيل على اتفاق مع العسكريين في نوفمبر الماضي، وشدد على أن "استقالته تحصيل حاصل، وليس لها تأثير على المشهد السياسي".
من جانبه، قال وزير المالية السوداني جبريل إبراهيم إن استقالة عبد الله حمدوك في هذا التوقيت "أمر مؤسف للغاية".وأضاف: "دعونا نحول هذه المحنة إلى فرصة للم الشمل والعبور بالوطن إلى بر الأمان"، مشدداً على "مسؤولية القوى السياسية وحاجتها إلى مراجعة المواقف، أكثر من أي وقت مضى".
حزب الأمة القومي متمسك بخارطة الطريق التي دفع بها، من أجل الوصول إلى حل بشأن الأزمة السياسية التي تمر بها البلاد، والتي تتمسك بضرورة إدخال بعض التعديلات على الوثيقة الدستورية.
وأضاف المصدر أن الخارطة تضم عدداً من أحزاب قوى الحرية والتغيير، منها حزب البعث وحركة تحرير السودان.
أما حزب الأمة القومي طرح، الأسبوع الماضي، ما أسماه "خارطة طريق لاستعادة الشرعية"، بهدف تجاوز الأزمة التي تجابه عملية الانتقال الديمقراطي.
وشملت خارطة الطريق عدة محاور، تركز في مجملها على ضرورة العودة لمسار الانتقال السياسي، كما حثت على اعتماد الحوار كمبدأ لتجاوز الخلافات بين القوى السياسية والقائمين على أمر السلطة.
من جانبه، قال عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني كمال كرار لـ"تصريحات صحفية"، إن الحزب "يرفض الدعوات إلى التفاوض أو الشراكة أو المساومة مع العسكريين".
واعتبر كرار أن القوى السياسية "عملت خلال الفترة الماضية ضد الثورة". وأكد أن استقالة حمدوك لم تحدث تغييراً في المشهد السياسي "باعتباره انقلابياً ينفذ أجندة العسكريين".
ووصف أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، الرشيد محمد إبراهيم، استقالة حمدوك بأنها تمهيد لعودة الجيش إلى خارطة الطريق التي كان قد أعلنها عقب الإجراءات الاستثنائية في 25 أكتوبر الماضي، حين أقال المكون المدني في الحكومة واستحوذ على الحكم.
وأوضح إبراهيم لـ"الشرق" أنه "من المتوقع أن تعرف الفترة المقبلة عودة إلى خارطة الطريق التي أعلن عنها رئيس المجلس السيادي الفريق عبد الفتاح البرهان، عندما أصدر قراراته الاستثنائية يوم 25 أكتوبر الماضي، والتي تأخر تنفيذها عقب عودة حمدوك إلى السلطة".
وتنص خارطة الطريق على تكليف رئيس وزراء جديد بتشكيل حكومة كفاءات لا تضم أي سياسيين، على أن يتم اختيار وزير من كل ولاية. كما تنص أيضاً، ضمن إجراءات أخرى، على تشكيل هياكل العدالة ومن بينها المحكمة الدستورية.
وقال محمد إبراهيم إنه "رغم مغادرة حمدوك ووزراء قوى الحرية والتغيير للحكومة، فهناك ثوابت لا يمكن للقوى في السلطة تجاوزها، وهي مدنية الدولة والحفاظ على الانتقال السياسي، باعتبارهما أبرز أهداف الثورة".
ومن ضمن هذه الثوابت أيضاً، يضيف إبراهيم، "الحفاظ على اتفاق السلام الموقع في جوبا، فضلاً عن تنظيم الانتخابات الديمقراطية عند انتهاء الفترة الانتقالية".
وأوضح المتحدث أن "فرص تشكيل حكومة جديدة واردة، لكن الإشكال يكمن في آلية اختيار الحكومة الجديدة. الأمر يستدعي فتح حوار تشارك فيه كل القوى السياسية بشأن تسوية تنهي الفراغ السياسي الحالي".
وتابع أن "هناك معادلة من المرجح أن يتم اللجوء إليها، وهي تولي المدنيين رئاسة مجلس الوزراء بصلاحيات كاملة".
وبشأن مصير الأزمة السياسية السودانية، قال عثمان ميرغني رئيس تحرير صحيفة "التيار" السودانية إن "المدخل الأساسي لحل الأزمة السياسية في السودان هو إيجاد الأرضية المناسبة لتحويل الحكم من القوات النظامية إلى الحكومة المدنية، وفق توافق بين جميع الأطراف".
وأوضح أن المكون العسكري اختار أن تكون هناك انتخابات بعد 18 شهراً، على أن يغادر المشهد السياسي بعد الانتخابات، معتبراً أن في ذلك "إقرار صريح من المكون العسكري بضرورة الانتقال إلى الحكم المدني، وفي المقابل يطالب الشارع بالمغادرة الفورية للعسكريين من السلطة وبالتالي فإن الأزمة الحالية سببها الرئيسي عدم الاتفاق على موعد رحيل العسكريين من السلطة"، بحسب ميرغني.
وأشار ميرغني إلى أن الوضع الحالي يتطلب "تسليم السلطة في الوقت الراهن إلى جهة ضامنة لتنفيذ تحول الحكم من عسكري إلى مدني"، موضحاً أن"هذه الجهة الضامنة هي المحكمة الدستورية، التي يجب تكوينها لتنفيذ هذه المهمة".
وأشار ميرغني إلى أن "هذا الأمر هو ما حدث في مصر بعد فترة الرئيس السابق محمد مرسي، إذ تم تسليم السلطة إلى رئيس المحكمة الدستورية لفترة مؤقتة، حتى تنظيم الانتخابات".