صحيفة اللحظة:
أثر التباين في موقف المكون العسكري في السودان تجاه “الاتفاق الإطاري” الذي تم توقيعه مع قوى سياسية من بينها تحالف الحرية والتغيير (المجلس المركزي) في ديسمبر، وعارضته بعض المكونات السياسية، تساؤلات حول مصير الاتفاق والجهات الداعمة له، وسط مخاوف من أن فرض حل لا يتوافق عليه العسكريون يخاطر بإعادة البلاد إلى دائرة العنف.
وقال نائب رئيس مجلس السيادة السوداني وقائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي)، الثلاثاء، إن المكون العسكري سيمضي قدماً في “الاتفاق الإطاري”، لأنه “مخرج للبلاد من أزمتها، ويجلب الدولارات”، بحسب وصفه.
لكن تصريحات دقلو سبقتها، الأحد، تصريحات عضو مجلس السيادة السوداني الفريق شمس الدين كباشي، التي أعلن خلالها أن القوات المسلحة لن تمضي في “الاتفاق الإطاري” ما لم تنضم إليه قوى أخرى، معتبراً أن القوى الموقعة عليه حالياً “ليست كافية لحل المشكلة بالسودان”.
ومع بروز اتجاه لدى المكون العسكري لـ”التنصل من الاتفاق الإطاري”، أقسم حميدتي خلال مخاطبته حشداً جماهيرياً في منطقة ريفي شمال الخرطوم، الثلاثاء، أنهم “لن يرجعوا إلى الوراء” وسيكملون الاتفاق الحالي لأنه مخرج للبلد.
وأشار إلى أنه لم يقف إلى جانب أي طرف ولم يكن جزءاً في النقاشات التي قادت إلى مشروع الاتفاق، مضيفاً أنه “آنذاك كان مرابطاً بمدينة الجنينة غربي السودان”.
وتابع: “شاركت فقط بالتوقيع على الوثيقة، وهي غير ظاهرة الآن. مقفولة في الأدراج، وأريد الوفاء بالتعهد وتنفيذ ما توافقنا عليه، لأننا فقدنا مصداقيتنا بعد التغيير”.
اتفاق وانتقادات:
ووقع المكون العسكري والقوى السياسية المدنية السودانية، في ديسمبر، اتفاقاً إطارياً، قالت السلطات إنه يُمهد الطريق أمام إنهاء أزمة تعصف بالبلاد، ويؤسس لمرحلة انتقال سياسي جديدة.
ومن بين الموقعين على هذا “الاتفاق الإطاري” في 5 ديسمبر الماضي، رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو، إضافة إلى مجموعات مدنية عدة، لا سيما “قوى الحرية والتغيير”.
وتعرّض الاتفاق، الذي حدّد الخطوط العريضة لعملية انتقالية من دون التطرق إلى التفاصيل والمهل الزمنية، لانتقادات من نشطاء اعتبروه “غامضاً” و”غير شفاف”، وشككوا في قدرته على إخراج البلاد من الأزمة التي تشهدها منذ 13 شهراً.
وتعارض هذا الاتفاق قوى رئيسية، من بينها الحزب الشيوعي والكتلة الديمقراطية التي تضم حركات مسلحة في دارفور، علاوة على أنه يجد معارضة من حزب البعث الاشتراكي وتيارات إسلامية.
“لا انقلاب على الاتفاق”
حميدتي شدّد في تصريحاته، الثلاثاء، على أن “من يحاولون التراجع عن الاتفاق الإطاري كانوا يقولون إنه (الاتفاق) يحظى بدعم دولي وخليجي وسيجلب الدولارات ولن يتراجعوا عنه”.
واعتبر أن المخرج هو المضي في الاتفاق إذ أن “الوضع لا يحتمل، وقد وصلنا إلى مرحلة عجز الدولة عن دفع مرتبات العاملين”.
وكان كباشي قال في لقاء جماهيري بمدينة كادقلي جنوبي كردفان، الأحد، إن القوى السياسية والعسكرية الموقعة على “الاتفاق الإطاري” ليست كافية لحل المشكلة السياسية في البلاد.
وشدد كباشي على أن “القوات المسلحة خارج العملية، وتقف على مسافة واحدة من كافة المبادرات السياسية”، مؤكداً أنها لن تمض في “الاتفاق الإطاري” إذا لم تأتِ قوى أخرى بمقترح مقبول لتحقيق التوافق.
وأضاف: “القوات المسلحة لن تحمي دستوراً غير متوافق عليه”، داعياً الموقعين على الاتفاق الإطاري إلى قبول الآخرين”.
وفي نفس منحى كباشي، أكد رئيس مجلس السيادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان أن القوات المسلحة لن تمضي لتوقيع اتفاق إطاري مع جهة واحدة، لكنه عاد في تصريحات لاحقة، السبت، وقال إنه لا يسعى لانقلاب أو تغيير الوضع في البلاد، مؤكداً أنه لن يتراجع عن “الاتفاق الإطاري”، بل “سنمضي فيه وفق رؤيتنا”.
خلافات داخل الجيش:
وأثار التباين في مواقف العسكريين السودانيين تساؤلات ملحة في المشهد السوداني بشأن مصير “الاتفاق الإطاري” الذي تُعارضه أيضاً تيارات سياسية مدنية منضوية في تحالف الحرية والتغيير (الكتلة الديمقراطية).
المحلل السياسي الدكتور حاج حمد محمد خير قال لـ”الشرق” إن “التباين الذي ظهر في مواقف العسكريين يُمثل انعكاساً لرؤى حواضنهم الدولية والإقليمية لحل الأزمة السياسية في السودان”، مشدداً على أن تصريحات البرهان وكباشي من جهة، وحميدتي من جهة أخرى، تُوحي بـ”خلاف حقيقي” داخل المنظومة الأمنية، وليس ثمة أمور تكتيكية تجاوزها الوقت.
وأضاف خير أن “الخلاف العسكري يعكس أيضاً انقسام القوى الدولية والإقليمية تجاه الأزمة السودانية والأطراف السياسية، فهناك جانب يدعم الكتلة الديمقراطية التي تضم حركات مسلحة، “بينما ألقى الجانب الأميركي والأوروبي والخليجي بثقله وراء الاتفاق الإطاري، وحشد له الدعم الدولي الكبير، لاعتقاده أنه سيحل الأزمة السودانية نظراً للدعم القوي لمكوناته في الشارع الذي لا يزال يواصل الخروج في احتجاجات”.
واعتبر خير أن “الاتفاق الإطاري يمر بمرحلة مفصلية رغم التباين العسكري-العسكري، والعسكري-المدني، لأنه يحظى بتأييد المجتمع الدولي”.
مخاوف من انهيار الاتفاق:
وأعرب أستاذ العلوم السياسية الدكتور عبد اللطيف محمد سعيد عن اعتقاده أن الخلافات التي ظهرت داخل المكون العسكري ربما تقود إلى انهيار “الاتفاق الإطاري” والعودة إلى المربع الأول من الأزمة، وهذا “شيء خطير يُهدد مصير البلاد التي دخلت مرحلة حرجة”، على حد قوله.
وأضاف سعيد لـ”الشرق” أن “المجتمع الدولي لن يستطيع فرض حل تنقسم حوله القوى العسكرية، لأن ذلك سيقود إلى صدام مسلح، وبالتالي تنتقل الأزمة إلى مربع العنف والعنف المضاد، وهذا سيناريو مرعب للغاية يجب تلافيه”.
واعتبر أن “من الضروري العمل بشكل جدي على إحداث توافق وسط القادة العسكريين قبل التفكير في محادثات مع القوى المدنية، لأن أي تجاهل لهذه المسألة سيقود إلى تفاقم الوضع في البلاد”.