صحيفة اللحظة:
كشفت مصادر لـ”الشرق” عن اجتماع مرتقب بين قوى سودانية لتجاوز الخلافات بشأن “الاتفاق الإطاري”، وسط توقعات، من مراقبين، بالتوصل إلى تسوية شاملة لهذه الخلافات، وحدوث “اختراقات كبيرة” في “المدى القريب”.
ووقَّعت القوى السياسية والمكون العسكري في ديسمبر الماضي، اتفاقاً إطارياً لتأسيس سُلطة انتقالية مدنية في السودان، وإنهاء الأزمة السياسية المستمرة منذ أكثر من عام.
ورغم البداية المبشرة، سيطر الجمود على العملية السياسية بعدما رفضت قوى سياسية منضوية تحت تحالف “الكتلة الديمقراطية”، الاتفاق، في موقف تبناه أيضاً الحزب الشيوعي السوداني ولجان المقاومة، وحزب البعث العربي الاشتراكي الذي يعد مكوناً رئيسياً في قوى إعلان الحرية والتغيير “المجلس المركزي”.
لكنَّ مصادر متطابقة تحدثت لـ”الشرق” عن لقاء مرتقب يجمع بين “الحرية والتغيير المجلس المركزي” و”مجموعة التوافق الوطني” بدعوة من رئيس المجلس السيادي الفريق أول عبد الفتاح البرهان لتجاوز الخلافات بين الفرقاء.
وسادت مؤخراً حالة من التفاؤل بكسر الجمود والتوصل لتسوية شاملة، لا سيما بعد إعلان الوساطة الدولية رغبة أطراف ممانعة في الالتحاق بالاتفاق الإطاري.
وأكد رئيس بعثة الأمم المتحدة المتكاملة بالسودان “يونتامس” فولكر بيرتس، الثلاثاء، أنَّ قبول الاتفاق الإطاري “يتزايد أكثر فأكثر”، موضحاً أنَّ “عدداً متزايداً من القوى السياسية والمدنية اتصلت بنا خلال الأسابيع الأخيرة وقالت إنها ستوقع على هذا الاتفاق”.
وشدَّد المبعوث الأممي على أن العملية السياسية في السودان تسير ببطء لكن في الطريق الصحيح، معرباً عن تفاؤله بأنها “ستقود حتماً إلى تشكيل حكومة مدنية ومرحلة انتقالية تنتهي بانتخابات وحكم ديمقراطي”.
تسوية الخلافات
وفتحت تصريحات المبعوث الأممي الباب أمام احتمالية انخراط قوى سياسية مؤثرة في العملية السياسية، بينما توقع محللون التوصل إلى تسوية شاملة للأزمة خلال المدى القريب، معتبرين أنَّ الخيارات لم تعد واسعة أمام القوى الرافضة للاتفاق الإطاري.
وقال نائب الأمين السياسي لحركة العدل والمساواة محمد زكريا لـ“الشرق”، إنَّ “الحرية والتغيير الكتلة الديمقراطية ليست طرفاً في الاتفاق الإطاري، بيد أنَّ هناك جهوداً حثيثة تقودها شخصيات وطنية لتجسير الهوة في المواقف بين مجموعات الحرية والتغيير (الكتلة الديمقراطية والمجلس المركزي والقوى الوطنية)”.
وأضاف: “كما أنَّ الاتصالات غير المباشرة بين الكتلة الديمقراطية وأطراف من المجلس المركزي حققت تقدماً ملموساً مع وجود بعض التعقيدات”، داعياً إلى إطلاق “حوار معلوم الأطراف نقدم فيه مزيداً من التنازلات لمصلحة التوافق على وثيقة سياسية تعالج نقاط الاختلاف وتنتج اتفاقاً يؤسس لاستكمال المسار الدستوري”.
خلافات شكلية
وتوقع المحلل السياسي شوقي عبدالعظيم، أن تلتحق كل القوى الرافضة بالاتفاق الإطاري وتنخرط في المرحلة النهائية للعملية السياسية، “لأنَّ الخلاف بينها وبين الموقعين ليس جوهرياً”، معتبراً أنَّ المكونات المعارضة “فشلت في تسويق موقفها الرافض، نظراً لعدم وجود مبررات منطقية للرفض”، على حد وصفه.
وقال عبدالعظيم في تصريحات لـ”الشرق”، إنَّ بعض القوى السياسية “تتمسَّك برفض الاتفاق الإطاري لرفع سقف التفاوض، بما يمكنها من الحفاظ على مكتسباتها والامتيازات التي حصلت عليها عقب إجراءات قائد الجيش السوداني في 25 أكتوبر 2021، ومتى ما وجدت ضمانات بشأن تلك المكاسب ستنخرط في العملية السياسية”.
ونبه كذلك إلى أنَّ حركتي “العدل والمساواة” بقيادة جبريل إبراهيم، و”جيش تحرير السودان” بزعامة مني أركو مناوي تريدان توقيع الاتفاق الإطاري كتحالف كامل هو “الكتلة الديمقراطية” وليس كتنظيمات منفصلة، وهو ما ترفضه “الحرية والتغيير المجلس المركزي” التي ترى أن هذه الكتلة تضم فصائل كانت حليفة لنظام الرئيس السابق عمر البشير.
وقال عبدالعظيم إنَّ “هذا الخلاف ليس جوهرياً ويمكن، في تقديري، تجاوزه”، مضيفاً أن “العملية السياسية لن تستغرق وقتاً طويلاً بعد الآن ويتوقع أن يحدث اختراق كبير في المواقف غضون شهر وتوقيع اتفاق نهائي بين المدنيين والعسكريين وتشكيل السلطة الانتقالية”.
القوى الصامتة:
وفي ذات الاتجاه المتفائل، ذهب المحلل السياسي حيدر المكاشفي الذي يراهن على ضغط خفي تمارسه “القوى الصامتة”، وهم كما يقول “عامة السودانيين الذين سئموا الوضع المضطرب وصارت لديهم رغبة جامحة في التوصل لاتفاق وتشكيل حكومة تضع حداً لمعاناتهم من غلاء المعيشة والتدهور الأمني”.
وتوقع المكاشفي في تصريحات لـ”الشرق”، أن يمارس المجتمع الدولي مزيداً من الضغط على حركتي جبريل ومناوي للانخراط في العملية السياسية التي يعتقد أنها سبيل وحيد لمعالجة الأزمة في السودان ومنع البلاد من الانزلاق نحو مزيد من العنف والفوضى.
وقال “في تقديري أنَّ جبريل ومناوي يشعران بحرج أخلاقي تجاه حلفائهم في الكتلة الديمقراطية، لذلك لا يريدان الذهاب والتوقيع على الاتفاق الإطاري بصورة منفصلة، لكن نتوقع حدوث تفاهمات بهذا الشأن خلال المدى القريب في ظل تزايد الضغط الدولي”.
واعتبر المكاشفي أنه “من الأفضل للقوى الرافضة بما في ذلك لجان المقاومة، وحزبا البعث والشيوعي الانخراط في العملية السياسية، فهي الطريق الأمثل لتحقيق التغيير المنشود”، مشدداً على أنَّ “التغيير الكلي لن يأتي دفعة واحدة”.
“اتفاق هش”
ورغم هذا التفاؤل، يرى المحلل السياسي الدكتور عبد الرحمن أبوخريس أنَّ الاتفاق الإطاري بوضعه الحالي “هش وعرضة للانهيار، ليس بسبب رافضيه فحسب بل نظراً للتباين بين أطرافه الموقعه، فالعسكريون يقولون إن الاتفاق سيظل مفتوحاً أمام الجميع، بينما تتمسك الحرية والتغيير بأن يكون حكراً على مكونات بعينها”، على حد وصفه.
وقال أبوخريس في حديثه لـ”الشرق”: “لا يمكن تحقيق تحول ديمقراطي ما لم يتم فتح الاتفاق أمام كافة المكونات عدا حزب المؤتمر الوطني المعزول، والأشخاص الذين تمت إدانتهم في جرائم، فالضغائن والكراهية لا تحقق تحولاً ديمقراطياً”.
وأضاف: “مالم يتم توسيع قاعدة المشاركة ستعود التجربة السابقة وسوف نشهد 25 أكتوبر جديدة”، في إشارة إلى التدابير التي اتخذها الجيش في أكتوبر 2021 وأدت لإنهاء اتفاق تقاسم السلطة مع المدنيين، معتبراً أنه في حال اتخاذ مثل هذه التدابير، فإنها “ستكون أسوأ من سابقتها، لأنها ستحظى بسند شعبي، نظراً لتغير كثير من المعطيات خلال الفترة