الرئيسية » السياسة » السودان: إثيوبيا تفتعل المشاكل هرباً من محنتها الداخلية

السودان: إثيوبيا تفتعل المشاكل هرباً من محنتها الداخلية

الخارجية بيان

صحيفة اللحظة:
في ظل استمرار الملفات الخلافية عالقة بين البلدين، اعتبرت وزيرة خارجية السودان، مريم الصادق المهدي أن العلاقات مع إثيوبيا تشهد توترا في الوقت الحالي بسبب الادعاءات الإثيوبية في أراضي الفشقة وتعنتها في قضية سد النهضة.
وقالت خلال مؤتمر صحفي اليوم السبت في الخرطوم، إن اثيوبيا تحاول افتعال المشاكل للخروج من مشاكلها الداخلية.
وفي حين أكدت أن بلادها "لن ترد مهما كالت إثيوبيا من اتهامات"، إلا أنها شددت في الوقت عينه على أن ادعاءات أديس أبابا بأن أرض الفشقة تابعة لها "مرفوضة" وتمثل تغولا إثيوبياً غير مقبول.
كما شددت على أن بلادها تدعم توصل كل دول حوض النيل (مصر وإثيوبيا والسودان) إلى حقوقها في النهر
وأشارت إلى أن الخرطوم مطمئنة تماما لسلامة موقفها في قضيتي الفشقة وسد النهضة، معتبرة أن موقف الأمم المتحدة من ملف السد أشبه بنصر لبلادها.
على صعيد آخر، لفتت إلى أن السودان يسعى لاستعادة الدور التاريخي له في المنطقة وحماية أمنه القومي.
وأوضحت أن ما تمارسه السلطة الحالية في السياسة الخارجية يعبر عن سودان ما بعد الثورة، معتبرة أن السياسة الخارجية للبلاد في العهد السابق كانت مضطربة.
كما شددت على أن السياسة الجديدة للحكومة تقوم على الانفتاح على إفريقيا، والسلام مع دول الجوار، بعيدا عن التمحور.
أصدرت وزارة الخارجية مساء اليوم في تنوير صحفي تقريرا للرأي العام حول عمل الوزارة تنشر "اللحظة"نصه :
بسم الله الرحمن الرحيم
تقــريــر وزارة الـخـارجـيـة الــرأي العــام
الدكتـــورة مريـــــم الصادق وزيـرة الخارجــــية فـي التنـــــوير الصــــــحفي 18 سبتمبر 2021
ما نمارسه في سياستنا الخارجية تعبير عن سـودان الثـورة وتجاوب مع المتغيرات الداخلية والخارجية.. نعكف حالياً على التحضير لعقد المؤتمر القومي العلاقـــات الخارجية.
ونهدف منه بناء سياسة متوازنة ومتفق عليها لإعادة السودان إلى نقطة "التوازن" في إدارة علاقاته الخارجية.. النصر الكبير الذي تحقق بدعم موقف السودان بشأن ســد النهضة مــن مجلس الأمن يؤكد أن السودان يمضي في الاتجاه الصحيـح.
سنعلن قريباً عن التغطية الدبلوماسية الجديدة بتقديم سفراء يحملون مقاصد الثورة تحت شعار "نغـرب خيــارنا يستـروا حالهم وحالنـا".. نتحلى بذهنية منفتحة ومرنة في التعاطي مع قضايا الحدود، تجمع بين الحرص على التوازن والتأكيد على الحقوق وصيانتها.. وتعظيم المكاسب والفوائد من التواصل والتبادل والتفاعل الإيجابي..
مقدمة:
هذا التنوير الصحفي منصة لبناء علاقة تبادلية وتكاملية بين الدبلوماسية والإعلام ، أساسها كيفية إستفادة الدبلوماسية من الإعلام في توظيف المعلومات ، وتسخير دور الإعلام في تسويق السياسة الخارجية لسودان الثورة.
وذلك لقناعتنا بأن الإعلام مهم للغاية في هذه المرحلة الانتقالية خاصة وأن الإعلام (التقليدي والجديد) فتح المجال واسعاً لمشاركة الشعب في رسم السياسة الخارجية، وفي صنع القرارات بفعل التطور المذهل والتفاعلية،
ونحن سعيدون بذلك. صحيح درجت بعض المنصات الإعلامية علي بث الشائعات والأخبار الكاذبة التي أضرت كثيراً بالعمل الدبلوماسي للبلاد، ولكنها ضريبة حرية التعبير ، التي نأمل في توظيفها فيما يخدم الوطن.
خلال الفترة الماضية، كان هناك مجهودٌ كبيرٌ لوزارة الخارجية، فقد استقبلت عشرات الوفود الأجنبية، وشاركت في عشرات الفعاليات داخل وخارج السودان، وذلك ثمرة الانفتاح والتغيير الذي أحدثته ثورة ديسمبر المجيدة.
وما نشهده ونمارسه في سياستنا الخارجية ، هو تعبيرٌ عن روح الثورة ، وتقديمٌ للسودان المبادر ، الذي يسعى للسلام والاستقرار والأمن مع جيرانه والاقليم والعالم أجمع، عطفاً علي تأثير مجمل التغيرات الداخلية والخارجية في صياغة سياستنا الخارجية، وأن كل تحركاتنا الدبلوماسية ما هي الا ترجمة عملية لهذه السياسة وأولوياتها.
من نافلة القول أن علاقات السودان الخارجية في ظل النظام المباد ، اتسمت بالاضطراب والنظرة الأيديولوجية الضيقة وبالتمحور، فكانت تعبر عن توجهات النظام في الحفاظ على السلطة وليس المحافظة علي السيادة الوطنية، فظهرت عورات دبلوماسيته وتداعياتها الكارثية في تخريب علاقات السودان في محيطه الإقليمي والدولي، واستعداء للعالم بصورة غير مسبوقة ، والملاحقة الجنائية الدولية نتيجة لذلك، فضلاً عن عزلة كبيرة وصلت لفرض العقوبات وقطع العلاقات. وقد رثت الحكومة الانتقالية هذا الواقع المأزوم والتركة الثقيلة.
رسمت الوثيقة الدستورية توجهاً واضحاً يقوم علي بناء علاقات السودان الخارجية علي أسس السيادة الوطنية والمصالح المشتركة. وأعلنت الحكومة الانتقالية عن سياسة الانفتاح نحو العالم ، والشراكة مع المجتمع الدولي في حفظ الامن والسلام الدوليين ، وإرساء علاقات متوازنة تخدم مصالح السودان العليا.
لذلك أثمرت هذه السياسة في رفع العقوبات، وإزالة اسم السودان من قائمة الدول الراعية للارهاب، ومعالجة الديون، ودعم الانتقال في السودان. وبهذه المناسبة ، لا يفوتني أن أحيي من سبقوني علي قيادة الوزارة: السفيرة أسماء محمد عبد الله ، والأستاذ عمر قمر الدين ، فقد وضعا أساساً متيناً في ملفات وزارة الخارجية، ومازال عطاؤهما مرتبطاً بالمجلس الإداري للوزارة. فنحن سلسلة واحدة لخدمة الوطن، وتنفيذ مقاصد الثورة، وأهداف الانتقال.
أقول بكل ثقة ، لقد دخل السودان مرحلة جديدة في علاقاته الخارجية عقب ثورة ديسمبر المجيدة، ملامحها استعادة دور السودان التاريخي في المنطقة، واستعادة سمعته الطيبة في العالم، ومقاربة تسخير هذا الدور وهذه السمعة الطيبة في تحقيق مصالحه الوطنية وحماية أمنه القومي.
سياستنا الجديدة تقوم علي التوجه نحو إفريقيا والانفتاح عليها في كل المجالات. فموقع السودان الجيو- سياسي يجعلنا نعيد تموضع السودان كشريك مؤتمن في افريقيا أولاً، ومن ثم بقية العالم.
وكذلك توجهنا نحو العالم العربي ينطلق من السعي لخلق علاقات بعيدة عن التمحور، وقريبة من التضامن العربي الذي يخدم قضايا الأمن والاستقرار في الدول العربية. وتنطلق سياستنا الخارجية نحو جيراننا بزيادة الاهتمام بقضاياهم ومساعدتهم ، وبناء علاقات حسن الجوار قوامها المصالح المشتركة والتعاون التجاري والتبادل الثقافي، ولدينا تجربة سودانية ثرة يمكن تسويقها في دول الجوار.
أما عالمياً ، فإننا نعمل بخطى حثيثة لتعزيز وتطوير العلاقات الثنائية مع الولايات المتحدة الامريكية، وتركيا، واليابان، ودول الاتحاد الاوروبي، وبريطانيا، ودول البركس خاصة الصين وروسيا، عبر بروتوكولات تعاون جديدة. بالإضافة الي الشراكات مع الأمم المتحدة ووكالاتها والمؤسسات العالمية التنموية والاقتصادية والتمويلية والاستشارية.
وقد ابتدرنا في وزارة الخارجية تحركاً دبلوماسياً واسعاً، لتفعيل كافة الاتفاقيات الثنائية مع الدول، وتنشيط اللجان الوزارية، ولجان التشاور السياسي، والتوسع في الشراكات في كل المجالات.
هذه هي موجهات السياسة الخارجية ومؤشرات مقاربتها، لتحقيق أهداف الانتقال، والدبلوماسية الكفيلة بترجمتها لمكاسب سياسية وإقتصادية وأمنية لصالح السودان. ونرجو من خلال هذا التنوير الصحفي، أن نُلقي الضوء علي أهم الملفات والأسئلة الملحّة ، التي شغلت الرأي العام خلال الفترة الماضية، في ثلاثة محاور مهمة:
أولاً: السياسة الخارجية:
تعمل الحكومة علي عقد مؤتمر قومي للعلاقات الخارجية ، يهدف الي محو الآثار المذلة في العلاقات الخارجية التي أقامها النظام المخلوع، والاتفاق على علاقات إقليمية غير محورية، وعلاقات دولية متوازنة بين المعسكرات المتنافسة لصالح الوطن.
ووضع سياسة خارجية متفق عليها ، تحدث التحول من السياسات المؤقتة والانتهازية، إلى السياسات المستدامة والاستراتيجية. سياسات خارجية من شأنها إعادة السودان إلى نقطة "توازن" في إدارة علاقاته الخارجية في عمقه الجيو-استراتيجي، وكمساهم فاعل في السلم والامن الدوليين. يمكننا إجمالاً عرض ملامح السياسة الخارجية على ضوء أولويات الحكومة الانتقالية، وعلى ضوء المتغيرات الداخلية والخارجية.
السياسة الخارجية على ضوء أولويات الحكومة الانتقالية:
تعمل وزارة الخارجية على أهداف وأولويات الحكومة الانتقالية في محاورها الخمسة (المحور الاقتصادي والاجتماعي، السلام، الامن، العلاقات الخارجية، قضايا الانتقال) عبر عشرة مشروعات ، ومتابعة التنفيذ بصورة دقيقة عبر التدخلات العاجلة .
وخطة النصف الثاني من العام الحالي والتي تتمثل في (الدبلوماسية الاقتصادية، والدبلوماسية الوقائية، وإنجاح رئاسة السودان للإيقاد، وتعزيز العلاقة مع الجاليات السودانية، والتنسيق مع يونيتامس، ومبادرات السلام وفض النزاعات، والتعريف بسودان الثورة بواسطة الشباب، وتقوية البعثات الدبلوماسية وحل المشكلات المالية، وتوحيد الخطاب الخارجي وفق الاستراتيجية والسياسة الخارجية، والانفتاح نحو العالم). لقد حققت الوزارة تقدماً معقولاً في هذه المشروعات ، وما يزال العمل متواصلاً حتى نهاية العام:
في المحور الاقتصادي والاجتماعي، قامت الوزارة بعدة تدخلات أهمها: مخاطبة الدول والصناديق بإعفاء ديون السودان، وعقد اجتماعات مع رؤساء دول ووزراء خارجية وسفراء بغرض إعفاء الديون، واستقطاب الدعم التنموي الخارجي من عدد من الصناديق ومؤسسات التمويل والتعاون التنموي، وتقديم تسهيلات لرجال الاعمال السودانيين والاجانب، والشراكة مع رجال الأعمال الوطنيين.
وإنشاء صندوق دعم الخارجية، ودعم جهود الانضمام لمنظمة التجارة العالمية، ودعم التبادل التجاري مع دول الجوار. في محور السلام وفي إطار الايقاد، عملت وزارة الخارجية علي إقامة الاجتماع الوزاري لمنظمة الايقاد حول جنوب السودان،.
ورتبت لقاءات مع وزراء خارجية كينيا ويوغندا والصومال وجنوب السودان، ونظمت زيارة للسكرتير التنفيذي للإيقاد الي السودان، والاتفاق على برنامج الايقاد، والتحضير لمؤتمر الحلول المستدامة لقضايا النازحين واللاجئين والعائدين والمجتمعات المضيفة في السودان وجنوب السودان.
وتتابع وزارة الخارجية سلام جنوب السودان، وقد شاركت في مؤتمر تضمين الاتفاقية في الدستور، والاتفاق بين السودان والنيجر وليبيا حول دعم الاستقرار والسلام في تشاد، والتوافق مع فرنسا في دعم الاستقرار في تشاد، وتقديم مقترح وساطة في إطار الايقاد لمعالجة الازمة الصومالية، وتنسيق الجهود الاقليمية لإغاثة اللاجئين جراء الصراع في إقليم تقراي.
كما هو معلوم أن د. عبد الله حمدوك هو رئيس الإيقاد الحالي. في محور الأمن، تم التنسيق لمكافحة الإرهاب والتطرف العنيف مع دولتي نجيريا والنيجر، وإحكام التنسيق وتفعيل الشراكة مع منظمة الهجرة الدولية لمكافحة الهجرة غير الشرعية، ووضع كافة الترتيبات لاستضافة المركز القاري لمكافحة الهجرة غير الشرعية بالتنسيق مع وزارة الداخلية، .
وتمت جولات عربية لشرح الأزمة مع إثيوبيا (مصر والأمارات وقطر والبحرين) وجولات واسعة في إفريقيا شملت (جنوب السودان، جزر القمر، كينيا، يوغندا، رواندا، الكنغو، نيجيريا، غانا، السنغال، النيجر)، والنجاح في توصيل رؤية السودان حول الأزمة مع إثيوبيا (الحدود وسد النهضة) بلقاءات مع وزراء الخارجية العرب والأفارقة والدول المؤثرة ، وعبر مكالمات هاتفية ولقاءات مع كل السفراء تقريباً، وسعينا للتأثير على موقف مفوضية الاتحاد الافريقي، و التأثير في الموقف الاوروبي والامريكي والافريقي لصالح السودان في القضيتين، ودراسة تجارب دول نهر النيجر ونهر السنغال حول تقاسم منافع المياه كتجربة لحل أزمة سد النهضة، والمشاركة في الآلية الوطنية لمكافحة الإتجار بالبشر ، والمشاركة في الاجتماعات التى ساهمت في ترفيع تصنيف السودان إلى التصنيف الأعلى في التقرير الأمريكي السنوي، والمشاركة في الاجتماع الرابع للمفوضية المشتركة للحدود بين السودان وجنوب السودان.
في محور العلاقات الخارجية، ترفيع العلاقات السودانية الكندية لمستوى سفير، ومعالجة الاوضاع في بعض البعثات الخارجية، وتسمية سفراء قائمين بالاعمال، ووضع لوائح تنظم الحصانات والامتيازات للبعثات الاجنبية، والنظر في كافة شكاوى السودانيين العاملين في المنظمات الاقليمية والدولية، والمشاركة في اجتماعات جامعة الدول العربية: الوزاري في القاهرة، والاجتماعات حول حول القضية الفلسطينية، والتشاور حول سد النهضة الدوحة، والمشاركة في مؤتمر تجمع الساحل والصحراء، والمشاركة في مؤتمر منظمة البحيرات.
والمشاركة في مؤتمر وزيرات الخارجية حول الكورونا، وتفعيل لجان التشاور السياسي في (كينيا، مصر، سويسرا، يوغندا، المملكة المتحدة، رواندا، قطر، الامارات، الكنغو، جنوب السودان)، وتفعيل اللجان الوزارية المشتركة في (كينيا، قطر، مصر، جنوب السودان، السعودية).
والاتفاق علي التدريب الدبلوماسي مع كل من الامارات، قطر، مصر، السعودية، البحرين، إيرلندا، إسبانيا، وتفعيل مبدأ التعامل بالمثل في المراسم والتشريفات، وإعداد مصفوفة تنفيذ الإتفاقيات مع جنوب السودان ومصر، وإعداد خطة العمل الوطنية لملف الدول المطلة علي البحر الأحمر وخليج عدن. في محور قضايا الانتقال، التعاون والتنسيق مع كافة وكالات الأمم المتحدة المتخصصة والمنظمات الدولية الداعمة للانتقال، والتنسيق مع يونيتامس لإنجاح مهام البعثة، وتم التواصل وعقد لقاءات مع الجاليات السودانية في عدد من الدول (مصر، جنوب السودان، كينيا، جزر القمر، رواندا، السنغال، النيجر، قطر، الامارات، يوغندا، فرنسا، روسيا، البحرين)، وصدر قرار بتشكيل لجنة لمتابعة ومعالجة الشكاوى القنصلية للجاليات السودانية ، وصدر توجيه لكافة البعثات بحصر ومتابعة أوضاع السودانيين المحتجزين في السجون بالخارج في 41 بعثة بالخارج وقدر عددهم بـ 2031 سجين.
ووضع كافة التدابير لتفعيل عضوية السودان في مجلس حقوق الانسان، وتعريف سودان الثورة بواسطة الشباب وطلب تخصيص 750 وظيفة ضمن الـ5 الف وظيفة لشباب السودان لينضموا عبر مداخل الخدمة بوزارة الخارجية العام المقبل، المعاونة في إيجاد الدعم الفني والتقني لعمل لجان التحقيق في مقتل شهداء الثورة من دول العالم.
السياسة الخارجية على ضوء المتغيرات الداخلية والخارجية:
ظلت وزارة الخارجية عبر تاريخها ، تولي إفريقيا عناية وأهمية خاصة في مجمل تحركاتها ونشاطها، وذلك انطلاقاً مما تمثله القارة الإفريقية كدائرة انتماء لصيق وذي أولوية قصوى بالنسبة للسودان ، بحكم الموقع الجغرافي والاستراتيجي ، والأبعاد الاجتماعية والثقافية ، والمصالح الاقتصادية والتجارية المتداخلة.
وبعد قيام ثورة ديسمبر المجيدة ، ضاعفت وزارة الخارجية من وتيرة اهتمامها بالقارة الإفريقية ، بالسعي بجد وإخلاص تطوير وتمتين علاقاتها بمختلف الدول الإفريقية ، وذلك وعياً منها بأن التوجه الأيديولوجي المتشدد وغير المتوازن للنظام البائد، قد جاء خصما بالضرورة على مجمل سياسة السودان الخارجية ، وبصورة أخص نحو افريقيا ، مما يستدعي إصلاح هذا الوضع المختل .
والعمل بكل همة وإخلاص من أجل إعادة وضع السودان في موضعه الصحيح والتاريخي والرائد في قلب مسيرة العمل الأفريقي المشترك، تأكيداً لالتزامه الصادق بقضايا أفريقيا قاطبة في جميع المجالات. على مستوى الاتحاد الإفريقي والمنظمات شبه الإقليمية ، برز نشاط السودان بصورة واضحة منذ اندلاع الثورة ، بل رأينا ترحيب تلك المنظمات بقيام الثورة والتغيير السياسي بالسودان ، والتزامها بدعم الفترة الانتقالية.
وقد شهدنا الانخراط الإيجابي والدور المعتبر الذي لعبه الاتحاد الإفريقي في الوساطة بين مكونات السلطة الانتقالية ، بما في ذلك تسهيل التوافق على الوثيقة الدستورية. ظل السودان يشارك بفاعلية في شتى الملتقيات ذات الصلة بالعمل الإفريقي المشترك ، مثل مشاركة السيد رئيس الوزراء في قمة تمويل الاقتصاديات الافريقية الذي انعقد بباريس في منتصف مايو الماضي، وكذلك مشاركته في مؤتمر قمة التجديد لصندوق التنمية الدولية الذي انعقد بأبيدجان في منتصف يوليو الماضي ، والذي كان الهدف منه هو حشد الموارد المالية اللازمة لتمكين الدول الافريقية من مواجهة التحديات الماثلة أمامها، بما في ذلك تداعيات جائحة كورونا ، حيث صدر إعلان أبيدجان الذي نص على التزام الدول ومؤسسات التمويل المانحة بجمع مبلغ 90 مليار دولار امريكي لهذا الغرض قبل نهاية عام 2021م الحالي.
يترأس السودان حالياً منظمة الإيقاد على مستوي الرئاسة ومجلس وزراء الخارجية ، وقد ظل منخرطاً بإيجابية في عدد من الملفات مثل: الصومال ، وجنوب السودان ، وهو يسعى بهذه الصفة ايضا للمساهمة في حل الأزمة في اثيوبيا ، انطلاقاً وتجسيداً لشعار: حلول أفريقية للقضايا الإفريقية. في جنوب السودان، تنشط الدبلوماسية السودانية انطلاقاً من علاقات الأخوة وحسن الجوار مع جنوب السودان، وكذلك بحكم ترؤسه للإيقاد، في رعاية تسوية سلمية للخلافات بين الفرقاء هناك. وبفضل التعاون الثنائي بين السودان وجنوب السودان ، بالتضامن مع منظمة الإيقاد وتحت رعايتها، وبمشاركة عدد من الشركاء الدوليين، سيستضيف السودان مؤتمرا الخرطوم لمناقشة قضايا اللجوء والنزوح في السودان وجنوب السودان خلال الفترة المقبلة.
تشهد العلاقات بين السودان وجنوب السودان مرحلة من الاستقرار والثقة المتبادلة بل التعاون اللصيق ، وقد انعكس ذلك في الأدوار الايجابية والبناءة المتبادلة التي ظل يلعبها كل بلد في عملية السلام في البلد الآخر ، وقد سمى السودان مؤخرا مبعوثا خاصا له إلى جنوب السودان، هو سعادة السفير عبد الرحمن محمد بخيت، الذي دشن نشاطه بزيارة الى جوبا مؤخرا ضمن وفد رفيع المستوى. العلاقات الثنائية بين البلدين تشهد هي الأخرى تقدما ملحوظا ، يشهد على ذلك التوافق مؤخراً بين الجانبين على فتح عدد من المعابر الحدودية لتسهيل انسياب السلع وحركة تنقل المواطنين، وهناك تعاون حول تغيير يونسيفا.
السودان حالياً عضو بالقيادة الثلاثية أو الترويكا لمنظمة المؤتمر الدولي لمنطقة البحيرات العظمى إلى جانب كل من أنغولا والكونغو برازفيل، وقد استضاف بالخرطوم في مطلع هذا الشهر، ورشة عمل رفيعة المستوى حول الموارد الطبيعية بدول هذه المنظمة التي تضم 12 دولة عضو في وسط وشرق افريقيا، ومن المؤمل أن يتمكن السودان من استضافة قمة المنظمة خلال السنوات القليلة القادمة، والرئيس للمنظمة العام المقبل.
تولي وزارة الخارجية أهمية خاصة لعلاقاته مع الدول المجاورة للسودان، وفي مقدمتها جمهورية مصر العربية، ويؤكد السودان حرصه على تعزيز العلاقات مع مصر وتطويرها في جميع المجالات ، ورعاية لحسن الجوار، وصوناً للأمن الوطني والاستراتيجي للسودان ، وتعزيزا لعلاقات التعاون والتبادل المشترك للمصالح والمنافع والقضايا ذات الاهتمام المشترك إقليمياً ودولياً ، وخدمة ومراعاة لأواصر القربى والتداخل الاجتماعي والثقافي والتجاري. ثمة عوامل كثيرة ومتداخلة تحكم علاقتنا مع اثيوبيا، منها الحدود المشتركة الطويلة ، والتداخل البشري والثقافي والروابط التاريخية والسياسية عبر التاريخ. ويبرز نهر النيل الأزرق بصفة أساسية الذي يربط بين البلدين، باعتباره معلما جغرافيا ذا أبعاد استراتيجية واضحة على نحو ما برز مؤخراً في موضوع سد النهضة. ينبغي الاعتراف بأن العلاقات الثنائية بين البلدين ، تشهد حالياً توتراً بينا على خلفية قضيتي الادعاءات الاثيوبية في أراضي منطقة الفشقة السودانية ، وكذلك بسبب تعنتها بشأن إبرام اتفاق ملزم قانوناً حول عمليتي ملء وتشغيل سد النهضة.
وفي كلا هذين الموضوعين، فإن السودان مطمئن لسلامة موقفه. الإهتمام بالعلاقة التاريخية والمتطورة مع الجارة إريتريا يعد من أهم أولويات وزارة الخارجية، بما تمثله أرتريا من امتداد لعلاقات وتداخل إجتماعي، لذلك نحرص علي التنسيق السياسي في قضايا القرن الأفريقي والجوار وادل التجاري والاقتصادي والثقافي مع أرتريا،. العلاقات بين السودان وتشاد متميزة وفريدة حقا. ذلك بأن البلدين ظلا عبر التاريخ في حالة تداخل وتكامل طبيعي وتلقائي منذ أقدم العصور وإلى تاريخ قيام الممالك والسلطنات التي ظهرت فيهما. فبين البلدين تداخل وتواصل وقواسم مشتركة كثيرة اثنية وثقافية ، وجغرافية ، ومصالح وصلات اقتصادية وتجارية جمة.
شهدت العلاقات الثنائية خلال حقبة النظام البائد عدم استقرار، وحالات من الصعود والهبوط والفتور والانتعاش. توافق الطرفان على إبرام اتفاقية حسن جوار ، وانشاء قوات مشتركة لمراقبة حدود البلدين ، ومن ثم شرع البلدان في التعاون والتنسيق في الجوانب العسكرية والأمنية ، كما تم توقيع اتفاقية لاستخدام ميناء بورتسودان بواسطة تشاد.
وتم كذلك تنشيط اللجنة المشتركة بل تم ترفيعها الى لجنة عليا برئاسة رئيسي وزراء البلدين ، كما وقع الجانبان عددا من الاتفاقيات والبرتوكولات والبرامج التنفيذية شاملة التعاون في عدة مجالات. واستمر التواصل والتعاون المشترك بذات الحميمية بعد سقوط النظام المباد واندلاع الثورة وقيام حكومة الفترة الانتقالية .
وظهر بجلاء التنسيق السياسي العالي بشأن الأوضاع في ليبيا وأفريقيا الوسطى والأمن في منطقة الساحل الأفريقي ، ومكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية ، والاتجار بالبشر وغيرها من الجرائم العابرة للحدود.
وإثر الرحيل المؤسف للرئيس السابق ادريس ديبي في ابريل من هذا العام ، وقف السودان وقفة صلبة إلى جانب الشعب التشادي الشقيق والحكومة التشادية في محنتهما، وأعرب عن مساندته القوية للسلطة الانتقالية برئاسة فخامة الرئيس محمد إدريس ديبي. يشهد على ذلك العدد الكبير من الوفود الرسمية والشعبية التي شاركت في تقديم واجب العزاء في فقد الرئيس الراحل ، فضلا عن قيام الرئيس محمد ديبي بزيارتين للسودان خلال الاشهر القليلة الماضية. تجمع السودان بليبيا روابط الجوار والتداخل الجغرافي والثقافي.
فضلا عن المصالح المشتركة. وعلى الرغم من وجود الأطر المؤسسية لتقنين علاقات التعاون المشترك ممثلة في التكامل بين البلدين ولو نظرياً ، إلا أن نتائج الكم الهائل من الاتفاقيات التي تم توقيعها في إطار ذلك التكامل عبر السنوات الماضية قد ظل دائماً دون الطموح، وذلك لأنه كان في الغالب يأتي عبر ارادة فوقية، وليس نابعاً من معطيات واقعية عبر ارادة شعبية مشتركة حقيقية، مما يستوجب إعادة النظر في جميع تلك الاتفاقيات بغرض تفعيلها، خصوصا في فترة ما بعد ثورة ديسمبر في السودان، وثورة 17 نوفمبر في ليبيا.
وفيما يلي الأوضاع التي ظلت قائمة في ليبيا خلال العقد المنصرم، فإن السودان قد ظل معنياً ومنشغلاً بها للغاية ، كما ظل يشاطر المجتمع الدولي والإقليمي القلق على أوضاع الامن والاستقرار في الجارة ليبيا. ومبعث ذلك القلق والانشغال هو الاهتمام بسلامة الشعب الليبي، وأمن ليبيا ووحدتها الترابية، فضلاً عن الانعكاسات السالبة لانفراط عقد الأمن فيها على السلم والاستقرار الإقليمي في المنطقة.
لذلك ظل السودان متابعاً عن كثب كل ما يدور داخل ليبيا ، كما ظل محتفظا بسفارته في طرابلس وقنصليته العام في بنغازي طوال هذه السنوات ، علما بأن ليبيا تستضيف جالية سودانية ضخمة تقدر بمئات الالاف.
وقد رحب السودان بالعملية السياسية التي تمت في جنيف وتمخضت عن قيام السلطة الانتقالية الحالية ، وظل السودان على تواصل مع القيادة الليبية.
بل شارك السودان بوفد برئاسة السيدة وزيرة الخارجية في مؤتمر دول جوار ليبيا الذي استضافته الجزائر مؤخرا ، حيث جرى فيه نقاش مستفيض حول السبل الكفيلة بإعادة الامن والاستقرار الى ليبيا ، واخراج العناصر الإرهابية والمسلحين الأجانب والمرتزقة منها ، فضلا عن دعم عملية الانتقال وقيام الانتخابات العامة في البلاد في ديسمبر المقبل.
كذلك جرى التأكيد على ضرورة قيام قوة رباعية مشتركة بين السودان وليبيا والنيجر وتشاد لمراقبة المنطقة الحدودية المشتركة والتصدي لجميع الممارسات السالبة فيها.
إفريقيا الوسطى دولة جوار في غاية الأهمية بالنسبة للسودان ، ولذلك فإن السودان مهتم جدا وحريص على استباب الأمن والاستقرار فيها ، نظرا لتأثير ذلك مباشرة على السودان. وأفريقيا الوسطى دولة حبيسة، وهناك مصلحة مشتركة من امكانية استخدامها للموانئ السودانية أيضا .
كما تمثل سوقا واعدة بالنسبة للصادرات السودانية، وهي تزخر بموارد عديدة يمكن ان يستفيد منها السودان. ظل السودان مشغولا ومهتما بالأمن والاستقرار في افريقيا الوسطى على خلفية الصراع الدائر فيها منذ بضعة أعوام ، وما تزال اتفاقية الخرطوم للسلام بين الفرقاء في افريقيا الوسطى التي وقعت في فبراير 2019م.
تمثل الإطار القانوني الوحيد الموجود لأية تسوية محتملة للوضع في أفريقيا الوسطى. ولتأكيد اهتمامه بالوضع في افريقيا الوسطى فقد رشحنا دبلوماسي سوداني مخضرم مؤخرا مبعوثاً خاصا للسودان لدى افريقيا الوسطى ، بغرض تنسيق جهود السودان الرامية الى التوصل الى تلك التسوية بالتضامن مع كافة الشركاء الإقليميين والدوليين الآخرين. علاقاتنا الخارجية مع الدول العربية راسخة وقديمة، وللسودان جاليات كبيرة في الدول العربية. دول الخليج عبر صناديقها الإقليمية والسيادية قدمت عدد من المشاريع للسودان، تعمل الحكومة الانتقالية مع هذه الدول على معالجة الديون، وفتح حركة الاستثمار والتعاون التنموي، والتنسيق في مكافحة الإرهاب والتطرف. لقد حققنا تقدماً كبيراً في تفعيل اللجان الوزارية والتشاور السياسي.
ووجدت سياسة السودان الخارجية تجاه الدول العربية تجاوباً كبيراً بعيداً من الاستقطاب والمحاور. علي مستوى الجامعة العربية، فإن سياسة السودان تنطلق من سعيه لإصلاح جامعة الدول العربية، وتعزيز الوجود السوداني فيها بشكل يعكس مكانة سودان الثورة. سياستنا الخارجية تجاه آسيا ، تقوم على مواصلة التنسيق المشترك، والتحرك السياسي، لتعزيز العلاقات الاقتصادية، وتنشيط التبادل التجاري، وجذب رؤوس الأموال الآسيوية للسودان، ونقل التقانة والخبرات الآسيوية في مجالات زيادة الإنتاج خاصة الصين والهند واليابان.
يسعى السودان للتعاون مع الاتحاد الأوروبي عبر حوار استراتيجي، يقوم علي احترام الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات الأساسية، ومكافحة الإرهاب والتطرف، وعلى علاقات ثنائية كل بلد على حدة، وعلاقات جماعية مع الإتحاد الأوروبي.
ويثمن السودان عالياً دعم الاتحاد الأوروبي لأولويات الحكومة الانتقالية، وفق رؤية واضحة وتنسيق عملياتي لكافة مجالات الشراكة الاستراتيجية مع الاتحاد الأوروبي. تبنت الدبلوماسية السودانية مؤخراً حراكاً دبلوماسياً فاعلاً مع البلدان الاوروبية، وتم تنظيم عدد من المؤتمرات الاقتصادية في ألمانيا وفرنسا.
وتم فتح قنوات التواصل المباشر لبحث فرص تعزيز العلاقات الثنائية في المجالات المختلفة، والدعم المتبادل في المحافل الدولية، وبذلت جهود حثيثة لبناء علاقات إستراتيجية مع بعض الدول. ودفنا من ذلك هو الحصول على الدعم التنموي، وتسوية الديون، والتطبيع مع المؤسسات المالية، والاستفادة من مبادرات الاتحاد الأوروبي. العلاقة مع الولايات المتحدة تعد من أولويات السياسة الخارجية للسودان.
ونسعى من خلالها للاستمرار في التعاون معها في ملف مكافحة الارهاب، والقضايا الدولية والإقليمية. فقد اتخذت الولايات المتحدة خطوات عدة لدعم الحكومة الانتقالية أهمها: رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، ورفع العقوبات الاقتصادية، وتقديم قرض تجسيري للبنك الدولي لتصفية متأخرات السودان تجاه البنك.
مما يمكن السودان من الاستفادة من تسهيلات وقروض جديدة من هذه المؤسسة المالية الدولية، وتقديم تسهيلات ائتمانية متاحة للشركات الأمريكية للاستثمار والتبادل التجاري في السودان، عطفاً على الدعم التنموي، والمساعدة الفنية لعملية السلام. فالعلاقة في مجملها تشهد تحولاً نوعيا كبيراً، وتمهد لخلق نوع جديد من الشراكة، وتعزيز الصلات ما بين الفضاءين السوداني والأمريكي، في مجالات التجارة والاستثمار والتكنولوجيا والتعليم والتدريب وغيرها.
لقد لعبت فرنسا دوراً مهماً في تقديم سودان الثورة للعالم وتنظيم مؤتمر باريس الذي أحدث نقلة مهمة في مسار العلاقات مع فرنسا، لذلك تعمل وزارة الخارجية على تمتين العلاقات مع فرنسا والتنسيق لتنفيذ مخرجات مؤتمر باريس. علاقاتنا مع روسيا متطورة بشكل جيد في مجالات: التشاور السياسي، والتعاون الاقتصادي والتجاري، والتعاون العسكري ، واللجنة الوزارية المشتركة، حيث تتمثل في اللجنة الحكومية المشتركة للتعاون الاقتصادي والتجاري برئاسة وزيري التعدين بالبلدين وتعنى بتطوير كافة مجالات التعاون التجاري والاقتصادي والثقافي والانساني وعقدت ست جولات في الخرطوم وموسكو وتوقفت بسبب الكورونا وستعقد جولتها السابعة بالخرطوم نهاية هذا العام ، للجنة التشاور السياسي برئاسة وكيل الخارجية بالبلدين وتعني بالتعاون والتنسيق في المجال السياسي وستعقد الجولة التاسعة في موسكو الأسبوع القادم.
ولجنة التعاون العسكري وهي لجنة منتظمة بين وزارتي الدفاع وتعنى بتطوير التعاون العسكري بين البلدين ، واللجنة الوزارية برئاسة وزيري الخارجية والتي تعني المجالات الثنائية والاقليمية والدولية، وعلى رأسها قضايا السلام والأمن في البحر الاحمر، والتنسيق في إطار جهود السلام في إفريقيا الوسطى.
وقد بدأت الشركات الروسية في الاستثمار في السودان، وهناك تعاون ثقافي وعسكري، ونعمل علي توسيع الاستثمارات والتنمية مع روسيا. وضعت مبادرة جمهورية ألمانيا الإتحادية في يونيو 2019 بتنظيم مؤتمر أصدقاء السودان لتنسيق الدعم الدولي للتحول السياسي والاقتصادي في السودان، الذي سلط الضوء على تعاون السودان مع المؤسسات المالية الدولية، لتمهيد الطريق لها من أجل عملية تخفيف الديون المحتملة في إطار مبادرة البلدان الفقيرة المثقلة بالديون، وضعت علاقاتنا مع هذه الدولة في مرحلة متقدمة. ونثمن قرار البرلمان الألماني (البوندستاج) بتوجيه الحكومة الألمانية إلى دعم السودان، واستئناف التعاون الإنمائي الثنائي. وقد توجت العلاقة المميزة مع ألمانيا بتحرك واسع للمجتمع الألماني في المساعدات الإنسانية للسودان، ودعم المنظمات الألمانية لجهود السودان في صناعة الدستور، وبناء القدرات الحكومية. لقد ساهمت المملكة المتحدة في دعم السودان في المحافل الدولية.
ولعبت دوراً إيجابياً في عملية الانتقال ودعمه في كل المجالات. لذلك فإنّ سياستنا تجاه المملكة المتحدة، قائمة على تعزيز التعاون الاقتصادي وتفعيل آليات العمل المشترك معها، والاستفادة من القدرات التكنولوجية للمملكة المتحدة ، ونسعى لتنشيط التعاون الثنائي معها خصوصا في المجالات الثقافية والتعليمية والتدريب. تسير العلاقات السودانية الصينية بصورة طيبة.
ونسعى لتفعيل الآليات المشتركة بصورة تنفذ مذكرات التفاهم ومشاريع مبادرة الحزام والطريق، بما يخدم مصالح البلدين، ويعزز الاستثمارات. نعمل على تقوية العلاقات التاريخية مع تركيا، وتوسيع آفاق التعاون. زيارة رئيس مجلس السيادة لتركيا كانت ناجحة، وضعت العلاقات في إطارها الصحيح، وتم التوقيع خلالها على عدد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم، ورحب السودان بوساطة تركيا لإيجاد حل لأزمة الحدود بين السودان وأثيوبيا.
كل مسارات السياسة الخارجية والتحرك الدبلوماسي هذه على مستوى المجلس السيادي ورئيس مجلس الوزراء الذي دفع بصورة إستراتيجية مسارات العلاقات الثنائية ومتعددة الأطراف والاقليمية والدولية، والتواصل مع الشركاء الدوليين، لتأتي دبلوماسية وزارة الخارجية علي المستوى المؤسسي في تهيئة المناخ وترجمة مسارات العلاقات الي آفاق أوسع ورحاب أبشر.
ثانياً: الدبلوماسية السودانية:
عملت وزارة الخارجية على عدة مشروعات إصلاحية للدبلوماسية السودانية بغية الخروج من الإخفاق والعزلة الدولية الموروثة الي رحاب الانفتاح نحو العالم والاندماج والشراكة مع المجتمع الدولي، فشرعت الوزارة في التحضير للمؤتمر القومي للعلاقات الخارجية لرسم ملامح السياسة الخارجية المتوازنة والمتوافق عليها في استراتيجية العلاقات الخارجية. وتستدعي هذه السياسة الخارجية بالتأكيد، إصلاحات حقيقية للدبلوماسية السودانية، تستهدف التشريعات والسياسات والآليات والعمليات المطلوبة لتنفيذها وإدارتها. وبالفعل تبنت وزارة الخارجية حزمة من الإصلاحات لإعادة الاعتبار للدبلوماسية السودانية، ليس باستعادة قوتها فحسب، بل وإعادة انخراطها وتعاطيها مع العالم ، وتجديد القدرة الدبلوماسية وفق متطلبات العصر، وذلك بالمشروعات الآتية:
مشروع قانون الخدمة الدبلوماسية، ولوائح العمل الدبلوماسي والقنصلي، وقد اكتملت المشاورات حول القانون، وهو في مراحله النهائية. مشروع الاصلاح المؤسسي للوزارة وهيكلة البعثات الدبلوماسية، وفق خارطة طريق التحرك الدبلوماسي وإعادة النظر في التغطية الدبلوماسية الموروثة من النظام المباد، وفي هذا الخصوص اتفقنا مع مؤسسة PWC الأمريكية للخدمات الاستشارية، في كيفية إعداد دراسات مقارنة لإصلاح الخدمة الدبلوماسية والقنصلية، وذلك ضمن مشروع دراسة إصلاح الخدمة المدنية لوزارة شئون مجلس الوزراء والعمل. مشروع تجريد الدبلوماسية من أدلجة النظام المباد.
مشروع إعادة المفصولين للصالح العام من وزارة الخارجية بما يحقق الإنصاف والاعتبار. مشروع إعادة التوازن ومعالجة الاختلال والتمييز الإيجابي للمناطق المهمشة وللنساء، وذلك عبر عملية تشاورية تستهدف مكونات الحكومة (أطراف العملية السلمية وقوى الحرية والتغيير والمكون العسكري). مشروع توحيد الخطاب الخارجي والالتزام بأن الخارجية هي المرجعية الدستورية للعمل الخارجي وقيادته. مشروع البروتوكول العام والمرشد الدبلوماسي للدولة. مشروع الاستفادة من السفراء المتقاعدين في التدريب والدراسات والاستشارات وذلك تأكيداً لأن دورهم لم ينتهي في بناء الوطن فهم جزء أصيل في العشيرة الدبلوماسية. مشروع تعزيز وجود السودانيين في المنظمات الدولية والاقليمية والتوسع فيه.
لذلك نعمل على هذه المشاريع الإصلاحية بصورة حثيثة وسوف ترى نتائجها الملموسة قبل نهاية هذا العام، وذلك بعد التغلب على كافة التحديات وأهمها الوفاء بالاستحقاقات المالية للبعثات بالخارج الذي أصبح هاجس يعيق مسيرة العمل الدبلوماسي في هذه المرحلة المهمة، وكذلك الوفاء تقوية البعثات الدبلوماسية بتعيينات وتنقلات على مستوى السفراء والدبلوماسيين.
إستهداف النظام المباد وزارة الخارجية ضمن مؤسسات الدولة الأخري، وقد عمل علي تشريد معظم الكفاءات، وتهميش الدبلوماسيين، وتمكين عناصره، وتعطيل العمل بالنظم والاعراف الراسخة للدبلوماسية السودانية، وإنتاج سياسة خارجية عدائية، فكانت النتيجة تدهوراً مريعاً للعمل الدبلوماسي، وإهدار الخبرات المتراكمة للدبلوماسية السودانية، والعزلة الدولية،.
وسحب صلاحيات وزارة الخارجية لصالح جهات أخرى وتدخل في مهامها دون تنسيق المواقف والتحركات الخارجية. نعمل بإرادة وجدية لإصلاح هذا الواقع، بتجريد الخارجية من أدلجة النظام المباد بالإصلاح المؤسسي والبناء الهيكلي، لتغيير العقلية التي خربت الخارجية، لصالح دبلوماسية تحفظ السيادة الوطنية بدلا عن الدبلوماسية العدوانية، والي إعادة التغطية الدبلوماسية بتقديم سفراء يحملون مقاصد الثورة.
لذلك نعمل على تعديلات أساسية في كل البعثات الدبلوماسية، بما يتوافق مع السياسة الخارجية لسودان الثورة، وفق موجهات العمل الدبلوماسي والقنصلي الجديدة التي ترتكز علي إطلاق دبلوماسية غنية الشكل والمحتوى، لبلد مثقل بالجراح نعتمد فيها على خيرة الدبلوماسيين كما يقول المثل السوداني "نغرب خيارنا يستروا حالهم وحالنا". وقد فرغنا من إعداد دراسة خاصة بمراجعة وهيكلة البعثات بالخارج.
وعما قريب سنعلن عن تغطية دبلوماسية واسعة تعالج كل الإشكالات التي تتعلق بالبيروقراطية وتعطيل الإجراءات تحت شعار "دبلوماسية فاعلة لبلد فقير" في ظل تبني الحكومة الدبلوماسية الاقتصادية.
ثالثا: الملفات ذات الاولوية لوزارة الخارجية:
سد النهضة: من أكثر القضايا التي شغلت وزارة الخارجية خلال الفترة السابقة، قضية سد النهضة، والتي أعطيناها اهتماما خاصا لارتباطها بالأمن القومي. لذلك كثفنا الجهود الدبلوماسية حول هذه القضية وضرورة التوصل لاتفاق قانوني ملزم يحقق المنفعة لكل الأطراف.
موقف السودان الثابت والواضح في أزمة سد النهضة قائم على مرجعية القانون الدولي، وعلى اتفاقيات سابقة بين السودان وإثيوبيا، إضافة إلى إعلان المبادئ الذي تم توقيعه بين قيادات الدول الثلاث في الخرطوم.
السودان يقف مع الحق الإثيوبي في تطوير إمكانياته والاستفادة من مياه النيل الأزرق وتطوير موارده، دون إجحاف في حق الآخرين خاصة حقوق السودان ومصر، وعلى أن الأطراف إذا أرادت أن تجني فوائد مشتركة من مشروع السد، فإنها لا يمكن أن تتحقق دون وجود اتفاق قانوني ملزم للجميع، خاصة فيما يلي قضية الملء ومراحله والتشغيل ومراحله بصورة تفصيلية.
وقد ظلت الدبلوماسية السودانية ومن خلفها الدولة والحكومة بكافة أجهزتها المعنية تدير هذا الملف بحكمة واقتدار ، وليس أدل على ذلك من الإنجاز الدبلوماسي المقدر الذي أحرزه السودان مؤخرا بصدور بيان رئاسي من مجلس الأمن الدولي مثل استجابة لرؤية السودان للمنهجية الصحيحة لاستئناف عملية التفاوض
وهذا يؤكد بأننا في الاتجاه الصحيح، وبالتالي من المؤمل اذا ما توفرت الارادة السياسية وحسن النية ، أن تساعد الأطراف المعنية في التوصل الى اتفاق قانوني ملزم حول ملء وتشغيل سد النهضة يراعي انشغالات ومصالح الدول الثلاث.
الحدود: ظلت حدود السودان مع الدول المجاورة ، والمحافظة عليها من التوترات والاختراقات والتعديات وكافة الممارسة الضارة والسالبة ، وبالمقابل حسن استغلالها وتوظيفها لجلب المنافع والتبادلات التجارية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية في إطار الرضا والقبول المتبادل ، تحتل مكانة بارزة في أجندة سياسة السودان الخارجية.
للسودان حدود مباشرة مع 7 دول هي: مصر ، واريتريا ، واثيوبيا ، وجنوب السودان ، وأفريقيا الوسطى، وتشاد ، وليبيا ، كما أن له حدوداً بحرية مع المملكة العربية السعودية. وتتسم هذه الحدود بصفات مشتركة أهمها:
التداخل القبلي والاجتماعي والثقافي والتاريخي بين السكان على جانبي المناطق الحدودية، ووجود قبائل مشتركة على جانبي الحدود، وذلك هو سلاح ذو حدين من الناحية الاستراتيجية. وجود خلافات حول الحدود مع بعض الدول، وابرزها حدودنا مع إثيوبيا وجنوب السودان ومصر. ظلت معظم حدودنا المشتركة مع دول الجوار ساحة للتوترات والاختراقات الأمنية في أوقات مختلفة ، إما بسبب الأوضاع الداخلية في بلادنا ، أو نتيجة لسياسات بعض الدول ، والأوضاع السائدة بداخلها.
ولذلك فإن تأمين هذه الحدود يعتبر من أولويات أمننا القومي. وكمثال على انعكاس الأوضاع الأمنية السائدة في بعض الجوار سلباً على أمن حدودنا على سبيل المثال، ما تردد مؤخرا عن ضبط السلطات السودانية لأعداد كبيرة من الجثث لمواطنيين اثيوبيين ينتمون لقومية التقراي مقيدة وعليه آثار تعذيب، حملها نهر سيتيت من داخل الأراضي الإثيوبية إلى داخل الأراضي السودانية، وتم التعرف على هوياتهم بواسطة إثيوبيين مقيمين بالمنطقة. وهذا الأمر شهدت عليها المديرة التنفيذية للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية وعدد من المنظمات الدولية.
مهما يكن من أمر ، فقد عمدت وزارة الخارجية من الناحية المؤسسية إلى معالجة قضايا الحدود عبر إدارة الحدود والأجانب، وهذه معنية بالنواحي الهجرية والقنصلية والتبادل التجاري والجمارك ، أما النواحي السياسية فقد عهدت بها الى لجنة خاصة تسمى لجنة الحدود التي تعكف على ملف الحدود من الناحية السياسية بالتواصل والتعاون اللصيق مع كافة الجهات ذات الصلة داخل الدولة وعلى رأسها اللجنة القومية للحدود. وتحرص الدبلوماسية السودانية على التحلي بذهنية منفتحة ومرنة في التعاطي مع قضايا الحدود، تجمع بين الحرص على التوازن والتأكيد على الحقوق وصيانتها، والتزام المبدئية والحزم والمثابرة في ذلك في حالة التنازع ، دفعاً للمخاطر والأضرار ، والعمل في ذات الوقت على جلب المنافع وتعظيم المصالح عبر التبادل والتعاون المشترك في حالة السلم والهدوء.
العقوبات الدولية: طلب مجلس الأمن الدولي في فبراير من العام الحالي من الأمين العام للمنظمة الدولية إعداد تقرير بالتشاور مع حكومة السودان ، يحتوي على مؤشرات مرجعية لمراجعة العقوبات الأممية المفروضة على السودان ، وصلاً مع القرار 1591 (2005) ، على خلفية الصراع في دارفور ، وذلك بموجب القرار رقم 2562 المعتمد في فبراير 2021م. وتشمل المؤشرات المرجعية المشار اليها ما يلي: (الحوكمة السياسية والاقتصادية، الترتيبات الانتقالية في دارفور، خطة العمل الوطنية لحماية المدنيين، العدالة الانتقالية والمساءلة).
لقد كانت حكومة السودان تؤمل من خلال مشاركتها في بلورة هذا الطلب، في أن يكون خطوة في سبيل إنهاء ولاية فريق الخبراء المنشأ بموجب القرار 1591 لعام 2005
وبالتالي رفع العقوبات المفروضة على السودان على خلفية قضية دارفور ، ولكن يبدو أن بعض القوى قد قصدت إلى ابقائها سيفا مسلطا ، ولكي تكون بمثابة التعويض عن خروج بعثة اليوناميد. وإزاء هذا الموقف.
أعلن السودان عن رفضه لأي وصاية على قضاياه الوطنية ، نظراً لانتفاء ظروف و أسباب ومسوغات قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1591 لعام 2005 ،فضلاً عن حقيقة التقدم الواضح المحرز باتجاه الوفاء بجميع المؤشرات المرجعية المذكورة رغم التحديات الماثلة ، بدرجة لا ينكرها إلا مكابر، وعدم جدوى فرض عقوبات على الدول، لذلك تعمل وزارة الخارجية وفق توجيهات المجلس الاعلى للأمن والدفاع للعمل علي رفع هذا القرار على كاهل السودان باستحقاقات إنجازات ثورة السودان بما فيها اتفاقية السلام التي يجتهد الجميع في تنفيذها، وذلك أسوة بما تم للشقيقة أرتريا سابقاً خاصة وأن الدول الممسكة بالقلم دولة صديقة وداعمة التحول الديمقراطي في السودان "ا&