توسعت مقتنيات مؤسسة الشارقة للفنون من خلال الاقتناء والتكليفات، انطلاقاً من بينالي الشارقة ومعارض المؤسسة، ونمت منذ ذلك الوقت لتصبح من أبرز المقتنيات في منطقة الشرق الأوسط. تهدف هذه المقتنيات إلى إثراء تجربة الجمهور من خلال المعارض المتكررة لأهم أعمال الفن الحديث والمعاصر على الصعيدين المحلي والدولي. تتراوح هذه الأعمال التي تتجاوز الألف بين جميع الحركات الفنية من عشرينيات القرن الماضي إلى الوقت الراهن ضمن مجموعة دائمة التوسع من الأنماط والثقافات البصرية، وتجسد حلقة الوصل التي تربط الثقافات المختلفة من خلال الفن الحديث والمعاصر، وتحفز على إعادة كتابة تاريخ الفن، ووضعه ضمن سياق جنوبي- جنوبي وشرقي- شرقي، مع تقديم وجهة نظر بديلة تنتقل بمحاور هذا التاريخ إلى فصل جامع بين مختلف الثقافات والأجيال.
تجسيداً لهذه الرؤية التي تتبناها مؤسسة الشارقة يأتي معرض “أعمال مبعثرة” الذي تستضيفه المؤسسة في مقرها حتى منتصف يونيو المقبل. يضم المعرض أعمالاً لفنانين من جنسيات مختلفة من مقتنيات مؤسسة الشارقة. ويستمد المعرض عنوانه من عمل يحمل الاسم نفسه للفنان المفاهيمي الألماني الراحل لوثار بومغارتن كانت المؤسسة قد اقتنته حديثاً.
يتكون “أعمال مبعثرة ” للفنان الألماني من إسقاط ضوئي دائري لشريحة واحدة تكشف مميزات مختبئة خلف المعالم التي تقوم عليها مقتنيات المتحف الغربي. يطرح العمل تساؤلات عدة حول دور المتاحف وطبيعة الأعمال المعروضة بها، وعلاقتها بالمحيط الذي أقحمت خلاله. من أين تأتي هذه الأشياء، وهل يحق للقائمين عليها الاحتفاظ بها، وإن كان هذا صحيحاً، ما السلطة التي تخولهم ذلك؟
الهيمنة الثقافية
يقتفي المعرض أثر هذا المفهوم الذي ينطوي عليه عمل الفنان الألماني بما فيه من تسليط للضوء على مفاهيم مثل الهيمنة الثقافية والاستعمار. يعود العديد من الأعمال المعروضة إلى شخصيات نشأ نزاع حول أعمالها، جراء أصلها أو مصدرها، كما يضم كذلك أعمالاً لفنانين مشتتين بين عدة هويات أو شخصيات، سعى بعضهم إلى إعادة صياغة تاريخ الفن الاستعماري عبر إضفاء تعددية شائكة من أقوام وثقافات بقيت مغيبة لفترة طويلة من الزمن. يضم المعرض أعمالاً مهمة ومتنوعة لفنانين من المنطقة العربية والعالم، من بينهم التركي يوكسل أرسلان، والأميركي داوود باي، والهندية هوما بهابها، والبريطانية لبينا حميد، واليابانية يايوي كوساما، وهو من تنسيق عمر خليف مدير المقتنيات وقيم أول في مؤسسة الشارقة للفنون.
تبين الأعمال المعروضة جانب من عمل الفنانة المصرية الراحلة آمال قناوي “سوف تقتل” الذي أنجزته عام 2006 وهو عبارة عن لوحة كبيرة مستلهمة من زيارتها لأحد المستشفيات العسكرية المصرية التي بنيت في أوائل التسعينيات.
كما يضم المعرض عملاً للفنانة السودانية كمالا إبراهيم تحت عنوان “مكعبات بلورية”، في هذا العمل كما في أعمالها السابقة تتحدى كمالا إبراهيم المنظور الذكوري التقليدي للفن في السودان من خلال تصوير مشاهد لحياة النساء بدرجات ألوان ترابية داكنة مستقاة من الشمس والرمال والسماء.
كما يضم المعرض كذلك عملاً للفنانة منى حاطوم تحت عنوان “بلوشي”، وهي فنانة من أصول فلسطينية تراوح أعمالها بين مجموعة متنوعة من الوسائط الفنية. العمل المعروض عبارة عن سجادة في حالة من التفكك مع أجزاء مهترئة على شكل خريطة العالم وفق “إسقاط بيتر” في تعارض مع الخرائط المتمحورة حول الغرب، المندرجة تحت زعم أنها أكثر دقة في توزيع كتلة الأرض والنسب. يخلق المخطط الجغرافي انطباعاً يترك للمشاهد أمر تفسيره.
عروض أفلام
يصاحب عرض الأعمال الفنية عروض عبر الإنترنت لأفلام مختارة من مقتنيات مؤسسة الشارقة. تقدم هذه العروض أعمالاً لـ35 فناناً ومخرجاً من جميع أنحاء العالم، تساعدنا أعمالهم على التفكير في كيفية إعادة النظر في الأعمال الفنية وفهمها، مع التركيز على كيفية إعادة تخيل أساليب سرد التاريخ واستكشافه. يقارب الفنانون، في هذه الأفلام المختارة تاريخ الصراع والصدمات، إضافة للمفهوم التعسفي لتوصيف “مهاجر” كما يعتمد صناع الأفلام في الغالب على الذاكرة، ويروون قصصاً تسعى إلى تفتيت السائد والمتداول عن مكان ما أو تجاربه، ما يخلق بدلاً من ذلك عوالم شائكة تسمح بظهور أشكال جديدة من الخيال. وستتبع العروض جلسات حوارية مع مخرجي الأفلام ستبث مباشرة عبر الإنترنت.
تبين الأعمال المعروضة الفيلم التجريبي “سياحة داخلية” للمخرجة مها مأمون، والذي تستكشف من خلاله صورة الأهرامات المصرية في السياق السينمائي. يعرض الفيلم مقاطع مختلفة لمشاهد من أفلام مصرية اتخذت من الأهرامات خلفية لها، وكيف يتم صوغ هذا الرمز القومي في البطاقات السياحية والإعلانات التجارية والأفلام.
أما الفيلم الوثائقي “سميرنا” للمخرجة جوانا حاجي فيوثق حوارية مطولة جرت بين المخرجة والفنانة والشاعرة إيتيل عدنان. فقد جمعت بينهما صداقة منذ أوائل التسعينيات، ونمت وتطورت على مر السنين، وارتبطتا بأرض “سميرنا” (المعروفة حالياً بـ”إزمير”) رغم أنهما لم تزوراها قط. نفيت عائلتا حاجي توما وعدنان من سميرنا بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية، فاستعاضتا عنها بالقصص المروية والمتخيلة.
كما يعرض كذلك الفيلم التجريبي “طرابلس الملغية” للمخرج نعيم مهيمن، والذي يرصد المخرج من خلاله أسبوعاً في حياة رجل وجد نفسه عالقاً في أحد المطارات لعشر سنوات. الفيلم مصور في مطار إلينيكون في اليونان، والسيناريو مستوحى من والد مهيمن الذي علق في المطار نفسه في أثينا لمدة تسعة أيام في عام 1977 بعد أن أضاع جواز سفره على الرحلة المتجهة من بنغلاديش إلى الهند. يستكشف الفيلم الذي نال استحسان النقاد تعقيدات تجربة المهاجر، ليكون بمثابة رواية سيكولوجية حول حياة معاشة بين طبقات المجتمع وهوامشه.