يعيش السودان حالة طوارىء استعدادا للفيضانات التي قد تضرب البلاد بشكل كبير خلال الأيام القادمة، ولم تكن المواقع التراثية والتاريخية بعيدة عن تلك الكوارث أثناء فيضانات العام الماضي.
للوقوف على مدى استعداد هيئة الآثار لتلك الفيضانات والإجراءات التي تم اتخاذها خصوصا في مواقع التراث العالمي أجرت وكالة “سبوتنيك”، المقابلة التالية مع الدكتور محمود سليمان مدير موقع التراث العالمي التابع لليونسكو في جزيرة مروي التاريخية بالسودان.
إلى نص اللقاء…
ما هى التدابير التي قمتم بها لحماية الآثار السودانية من مياه الفيضانات ومنع تكرار ما حدث العام الماضي؟
بصفتي مديرا لموقع التراث العالمي في جزيرة مروي والذي تعرض جزء منه” المدينة الملكية” العام الماضي لمخاطر الفيضانات، وفي نفس وقت الفيضانات العام الماضي تمت عمليات كثيرة لمعالجة الآثار التي نتجت عن تلك المياه المتراكمة، وتم وضع خطة من أجل أن تكون هناك حماية دائمة ضد أخطار الفيضان في المستقبل.
ما هي الخطوات التي تمت على الأرض؟
قمنا بعمل حواجز وسواتر خصوصا على الجزء الغربي من موقع المدينة الملكية المطلة على النيل بطول حوالي 800 متر وارتفاع يصل إلى ثلاثة أمتار في بعض المناطق، حيث تم الانتهاء من تلك الإجراءات في يونيو/حزيران الماضي، ونقوم حاليا بمراقبة مناسب مياه النيل، وحال حدوث أي طوارئ، سيكون هناك تدخل سريع من من الفرق المتواجدة من أجل حماية هذا التراث التاريخي، وواكب عملية إنشاء تلك السدود والحواجز، دراسة من كلية الهندسة جامعة الخرطوم شملت عمليات الفيضان ومناسيب النيل المتوقعة، علاوة على دراسة للمياه الجوفية بالمنطقة والتي تمثل أيضا خطرا على تلك المواقع التاريخية وبشكل خاص في المدينة الملكية، والآن يتم معالجة الأمر لتلافي المخاطر حال وجود أي زيادات في مناسيب تلك المياه هذا العام، وذلك عن طريق مراقبة مناسيب الآبار الموجودة بالمنطقة.
يمر السودان بظروف اقتصادية صعبة..فمن يقوم بتمويل تلك العمليات؟
كل العمل الذي جرى منذ فيضانات العام السابق كان بتمويل من “اليونسكو”، عبر الهيئة العامة للآثار والمتاحف، وذلك من أجل معالجة الأضرار الناتجة عن الفيضانات السابقة ومنع حصول تلك الأضرار مستقبلا، وهذا الدعم مقصور على المدينة الملكية، لأنها الوحيدة التي تضررت من تلك الفيضانات نظرا لقربها من النيل، وهناك مناطق أخرى قريبة من النيل ولكنها تقع على مرتفعات ولا تصل إليها المياه.
ما هو الدور الذي يقوم به موقع التراث العالمي في مدينة مروي التاريخية؟
موقع التراث العالمي في مدينة مروي، هو أحد المواقع التاريخية التي يتم إدراجها ضمن قائمة التراث الإنساني العالمي تحث مظلة منظمة اليونسكو، ولدينا في السودان موقعين تم تسجيلهم كتراث عالمي، الموقع الأول هو موقع جبل البركل في شمال السودان، تم تسجيله ضمن التراث العالمي في العام 2003.
أما الموقع الثاني فهو موقع جزيرة مروي والذي أتشرف بإدارته، تم تسجيله في العام 2011، حيث تتولى لجنة التراث في اليونسكو عملية الترويج والرعاية والحفاظ على تلك المواقع، وهناك الكثير من الشركات السياحية التي تقوم بالترويج لمواقع التراث العالمي، وهنا يصبح الموقع عالميا وليس محليا، وتتابع لجنة التراث باليونسكو كل ما يتعلق بالموقع، فقد كانت هناك استجابة سريعة جدا من المنظمة بمجرد حدوث الفيضان العام الماضي.
رغم أن الكثير من التقارير تتحدث عن ثروة أثرية كبيرة.. لماذا لم تأخذ السودان مكانها ضمن الوجهات السياحية العالمية؟
هناك العديد من الأسباب التي تقف وراء تأخر السودان في حجز مقعده في قائمة الدول ذات البعد التاريخي والثقافي الأثري، هذا الأمر يرجع إلى عدد من الأسباب على رأسها عمليات الإهمال طوال العقود الماضية، حيث تحاول هيئة الآثار السودانية على إيجاد كوادر وطنية متخصصة، مع الاستمرار في التعاون من البعثات الأجنبية التابعة لمؤسسات عالمية وجامعات، هذه البعثات دائما ما تبحث عن المواقع المعروفة، وهناك دراسات ميدانية أكدت وجود مواقع أثرية كثيرة في عموم البلاد، لم تنل حظها من البحث والتنقيب، حيث تركز البحث طوال السنوات الماضية في شمال السودان، كما أن الصراعات في جنوب السودان والعديد من المناطق لم تتح أي فرص لعمليات البحث خلال تلك الفترة، إلا أن العديد من الاكتشافات تتم بالمصادفة عن طريق المواطنين أثناء عمليات الحفر والبناء والمشاريع التنموية والزراعية، وهنا تقوم الهيئة العامة للآثار بتسجيل تلك المواقع، ونتمنى خروج الخارطة الأثرية للسودان عما قريب.
بعد رفع الحظر عن السودان .. ما هو مكان السياحة الأثرية الآن.. ومتى تصبح عنصر هام في موارد البلاد؟
نتمنى أن ننتبه إلى أهمية دور السياحة وبشكل خاص التراثية، حيث يمكن أن تلعب دورا كبيرا في تنشيط موارد البلاد، حيث تزخر السودان بتاريخ عريق يمتد عبر آلاف السنين، حيث يجب على الحكومة الانتقالية الحالية أن تدرك الدور الهام الذي يمكن أن تلعبه السياحة، نظرا لأن المواقع التراثية في السودان لها شهرة عالمية، لذا يجب توجيه الدعم المادي والمعنوي للتراث السوداني، وهناك العديد من الدول تساهم في دعم تلك التوجهات والمشاريع حاليا ومستقبلا، وتم تأهيل عدد من الكوادر السودانية لكي يقودوا هذا الأمر.
هل هناك تعاون بينكم وبين دول المنطقة في مجال تأهيل المواقع الأثرية وعمليات التنقيب؟
عمليات البحث والتنقيب مازالت قاصرة على البعثات الغربية من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، وقد كانت هناك مبادرات من أجل أن يكون هناك تعاون سوداني مصري، لكن لم تكلل بالنجاح وذلك بعد عقد عدة اجتماعات بين الجانبين بالقاهرة، لكن التعاون الأبرز في الوقت الراهن مع دولة قطر.
وهذا التعاون قائم فقط على الدعم المادي”تمويل وإشراف”، وقد كان المشروع قائم على أساس التبادل والإشراف، بأن ترسل قطر طلابها للتدريب على عمليات الحفر والتنقيب وهو ما نتطلع له في المستقبل.
هل هناك مجال بعد الثورة السودانية والتقارب مع القاهرة.. أن يكون هناك تعاون قريب في هذا المجال؟
من جانبنا كل الأبواب مفتوحة للتعاون مع مصر في هذا المجال، خصوصا في مجال الترميم والذي قطعت فيه مصر مراحل وخبرات طويلة، وأيضا نتمنى أن يكون هناك تعاون على مستوى الجامعات والتدريب وتبادل الطلاب، يمكن أن تكون هناك فرص لكي يستفيد البلدان.
أجرى الحوار/ أحمد عبد الوهاب