الرئيسية » الاقتصاد » مجمع وادي النيل.. بين مطرقة جودة الخبز وسندان سوق العمالة

مجمع وادي النيل.. بين مطرقة جودة الخبز وسندان سوق العمالة

مجمع-وادي-النيل.jpeg

سونا: هالة أحمد الجيلاني – إسراء عماد محمود
كانت أزمة الخبز إحدى المشكلات التي أثقلت على المواطنين وتعسر حلها جذرياً وهي إحدى الشرارات التي أشعلت ثورة ديسمبر المجيدة، إلا أن تجربة مجمع وادي النيل لصناعة وتطوير الخبز كانت أولى المحاولات الحكومية لإنتاج وتطوير الخبز سعيا لإيجاد حل جذري لهذه الأزمة في السودان.
يذكر أن المصنع يمثل الشحنة الأولى من المخابز المهداة من جمهورية مصر العربية في إطار الدعم المصري لمواجهة التحديات التي تواجه المرحلة الانتقالية في السودان، وفقاً للسفير المصري لدى الخرطوم حسام عيسى عند تسليمه المخبز لوزارة التجارة والصناعة السودانية .
حيث يستقبل المجمع حصة أسبوعية من دقيق القمح المدعوم من ولاية الخرطوم وهو قمح جرى خلطه بمقادير من الذرة لتقديرات حكومية منها تقليل التكلفة، بيد أن هذه الخطوة أدت إلى تقليل جودة الخبز المنتج.
كانت إحدى المعضلات الأساسية التي واجهت العملية هي عدم توافق الدقيق المخلوط مع الآلات المستخدمة لإنتاج الخبز؛ أما المشكلة الثانية التي واجهت الإنتاج فتمثلت في سوق العمل السودانية حيث لا تتوفر العمالة الماهرة والمدربة مضافا لذلك غلاء سعر وقود التشغيل.
المصنع هدية من الشعب المصري للسودان، تم استلامه في شهر نوفمبر من سنة 2020م، ويتكون من 10 خطوط إنتاج متكاملة، تم استلامه بواسطة وزارة التجارة والصناعة متمثلة في الشركة السودانية للسلع الاستهلاكية حيث جرى أول إنتاج تجريبي بتاريخ 2-12-2020 ثم الإنتاج الفعلي في 16-12-2020 بطاقة إنتاجية بلغت 50 جوالاً من الدقيق في اليوم وفقا لمدير مجمع وادي النيل لصناعة وتطوير الخبز السيد عبد الرحيم عبد الله.
شرح مدير المجمع في تصريح لــ(سونا) التحديات التي واجهها المصنع؛ وأهمها مشكلة العمالة غير الماهرة، حيث تشكل عائقا حقيقيا أمام زيادة إنتاجية المصنع إذ ظلت العمالة التي جرى تدريبها تتسرب من المجمع الذي انطلق بعدد 250 عاملا تقلص العدد بعدها إلى 70عاملا رغم جاذبية العروض المقدمة للعاملين والتي تعتبر مغريةً جداً مقارنة بالأجور المتوفرة في القطاع الحكومي ولكنه غير متناسب مع طبيعة ما يرغب فيه العمال المتقدمون للعمل حيث اعتاد عمال هذا المجال على الراتب اليومي وليس الشهري لذا لجأت الشركة السودانية للسلع الإستهلاكية إلى التحول من نظام الدفعات الشهري إلى الدفع اليومي (اليوميات) مما يعد حلاً للمشكلة إلى حد ما.
وأضاف المدير أنه من التحديات أيضاً التي واجهت المجمع كانت مسألة تصميم المصنع نفسه والذي يعمل باستخدام وقود الديزل ذي التكلفة العالية للغاية، وكانت إحدى الخيارات المطروحة هى التحول إلى غاز الطعام ولكن تم استبعاده نسبة لعامل السلامة وتجري الآن دراسة لاستخدام الطاقة البديلة عن طريق توليد الغاز من الكهرباء والماء حيث تتم حاليا عملية تجريب الأجهزة بواقع خطين إنتاج بالطاقة البديلة في إطار دراسة الفكرة ومن ثم تعميمها على جميع الخطوط قريباً.
أبان عبد الله؛ بأن مواصفات الخبز هي مزيج تم تعديله ليكون ملائماً للذوق السوداني؛ وقد حاز المزيج على نسبة رضاء عالية من المستهلكين، موضحاً أن الطاقة التصميمية للمصنع تقارب ألفاً و500 جوال يومياً؛ بينما ينتج الآن 250 جوال يومياً، وأن حصة الدقيق تأتي من حصة ولاية الخرطوم. وبعد اعتماد نظام الأوزان بدلاً من نظام القطعة من قبل الحكومة ،أصبحت حصة المواطن 2 كيلو جرام بسعر 100 جنيه سوداني من المجمع إلا أن هذا المبلغ قابل للزيادة؛ وفقاً لتقديرات إدارة نقطة التوزيع حيث أن سعر المنتج من المصنع يشمل تكلفة الترحيل.
يقول محمود سليمان، مدير المبيعات بمجمع وادي النيل لصناعة وتطوير الخبز، أن المجمع معني بتوفير الخبز في أكثر المناطق الجغرافية تأثراً بأزمة الخبز وهي منطقة جنوب الخرطوم ووحداتها الإدارية الأربعة، بما فيها مناطق السكن العشوائي التي تم تجاوزها بتعيين منسقين من داخل المنطقة لتسهيل عملية الدخول والتعامل المباشر مع المستفيدين، حيث وصل إنتاج المجمع إلى مناطق ليس بها مخابز ولا ترى الخبز إطلاقاً.
أشار مدير المبيعات بالمجمع إلى الجهود المبذولة حالياً لتطوير الخبز كهدف رئيس للمجمع، ونسبة استخدام الدقيق المخلوط الذي أثر سلباً على جودة المنتج وعدم توافقه مع الماكينات المستخدمة، فإن فريق الدعم الفني يقوم بوضع إضافات خاصة تهدف إلى تطوير العمل وبيئة العمل والمنتج أيضاً حيث يقومون بتلقي الشكاوى والاقتراحات ودراستها للعمل الفوري على حلها.
وأبان أن أحد أهم توصيات الفريق الفني كانت استبدال الخميرة الفورية بالخميرة الطازجة للمساهمة في تقليل التكلفة وتحسين المنتج على حدٍ سواء.
في إطار الرقابة قال سليمان أن المجمع يتعاون مع الآلية الاقتصادية ومباحث التموين ولجان الخدمات والتغيير لمنع تسريب الخبز إلى السوق السوداء، مبيناً أن المجمع حالياً يخدم حوالي 200 نقطة بيع ثابتة ومتحركة ذات حصص متفاوتة استنادا على الكثافة السكانية للمناطق؛ بالإضافة إلى المركز الرئيسي للتوزيع.
وقال السيد حامد محمد عيسى، عمدة منطقة صافولا، (لسونا) أنه قبل إنشاء المجمع كان مواطن المنطقة يعاني من انعدام الخبز إلا أن قيام المصنع في المنطقة ساهم في توفير هذه السلعة المهمة وحاز على رضا المواطن من حيث الوفرة والنوعية.
وقال ممثل لجنة التغيير والخدمات بمنطقة صافولا بسوبا الصناعات ومشغلي مركز التوزيع الرئيسي لمجمع وادي النيل؛ السيد ساكن الغالي بريمة، أنهم يستلمون حصتين يومياً؛ صباحية ومسائية ويقومون بتوزيعها على مواطني المنطقة والعاملين بالمصانع المجاورة حيث يحصلون على الحصة الأعلى بين مراكز التوزيع.
يقول عصام عبد الرحيم، رئيس اتحاد مجمع جوهرة العودة السكني، أن حصتهم من الخبز تأتي في موعدها يومياً الأمر الذي ساهم في حل مشكلة حقيقية كانت تواجه المستفيدين في دائرتهم.
يرى الأمين عبد الله الخليفة، البروفيسور بجامعة الجزيرة قسم هندسة وتكنولوجيا الأغذية، أن الدقيق المخلوط أحد العوامل المؤثرة في جودة الخبز حيث تم تقليل نسبة الغلوتين في الدقيق مما أثّر في عمل الخميرة الأمر الذي جعل الخبز يحتاج إلى إضافة محسنات لمساعدة الخميرة في عملها، مؤكداً أهمية مراحل التخمير المتعددة وعزا ثِقل الرغيف وخروجه غير مستوٍ من الفرن إلى إرتفاع نسبة النشا به نسبةً إلى أن الخميرة لم تجد الوقت الكافي لتحويله إلى ثاني أكسيد الكربون والسكريات الأحادية؛ الأمر الذي لا يعطي الرغيف الشكل والوزن المناسبين.
كانت آراء المستهلكين متوافقة إلى حدٍ ما في أن سعر المنتج مناسب الا أنه دون شك أقل جودة من خبز المخابز التجارية.
يقول المستهلك أحمد (11 سنة) الذي يسكن مجمع جوهرة العودة السكني أنه يتردد على مركز توزيع الخبز يومياً وأن أسرته تفضل هذا الخبز على الخبز التجاري لأنها أسرة كبيرة وهذه الكمية كافية لهم بمبلغ مناسب ولكن إن خُير بينه وبين الخبز التجاري بنفس السعر سيختار التجاري بلا شك، متفقاً مع أحمد مدني من شركة ساس للنقل؛ الذي يفضل الخبز التجاري أيضاً؛ وأن السبب الرئيس لتفضيله هذا الخبز هو توفره في مركز التوزيع الرئيس ولكنه يرى أن جودة الخبز غير ثابتة.