احتفلت الحكومة السودانية يوم الجمعة 26 مارس بتكملة اجراءات تسديد متأخرات السودان للبنك الدولي، تم ذلك بتمويل تجسيري من حكومة الولايات المتحدة الأمريكية وتمويل من البنك الدولي، هذه العملية تؤكِّد عودة التعاملات الطبيعية بين السودان ومجموعة البنك الدولي، بما في ذلك المؤسسة الدولية للتنمية (IDA) ، ومؤسسة التمويل الدولي (IFC)، والوكالة الدولية متعددة الأطراف لضمان الاستثمار (MIGA) بعد قطيعة قرابة الثلاثين سنة.
الجدير بالذكر إن عملية سداد المتأخرات تُمكِّن السودان الاستفادة وفوراً من برنامج البنك الدولي للدعم المُيسَّر من خلال تمويل مباشر بقرابة الـ 635 مليون دولار، والتي ستكون متوفرة مباشرةً لحكومة السودان، منها مبلغ 215 مليون دولار دعم مباشر للموازنة و 420 مليون دولار لتمويل برنامج ثمرات لدعم الأُسر، والذي يهدُف لمساعدة حكومة السودان في تخفيف آثار الإصلاحات الهيكلية التي تقوم بها لأجل بناء اقتصاد يستفيد منه جميع المواطنين.
بالإضافة لتوفير تمويل بمبلغ 2 مليار دولار على مدى عامين لتمويل الأولويات التنموية للحكومة السودانية في مختلف المشاريع الوطنية في قطاعات كالبنية التحتية والصحة والتعليم والزراعة وغيرها من القطاعات المنتجة، بحيث تنعقد اجتماعات موسعة لبحث جدولة هذه الموارد -2 مليار دولار- خلال الأسبوعين القادمين.
هنأ د. عبدالله حمدوك رئيس وزراء الحكومة السودانية عبر كلمته التي ألقاها خلال الاحتفال الشعب السوداني و حكومة الفترة الانتقالية الأولى والثانية وشركاء التنمية بهذا الإنجاز الكبير والمستحق والذي يعتبر البداية الفعلية لإزالة عبء الديون الخارجية عن كاهل الشعب السوداني وعودة السودان للأسواق المالية العالمية تمهيداً لانطلاق اقتصاد عملاق عانى من رهق الفساد وسوء الإدارة والحروب وكبت طاقات الانسان السوداني.
وأوضح د.حمدوك قائلاً منذ أن تسلّمنا الحكومة الانتقالية شرعنا في إجراء إصلاحات اقتصادية وهيكلية مهدت للوصول لهذه المرحلة، فتحسين الاقتصاد تحدٍ كبير يواجه الحكومة والشعب السوداني، ولذلك تبنت الحكومة هذه الإصلاحات القاسية والجراحات المؤلمة الضرورية لإطلاق الطاقات المادية والبشرية لهذا البلد العملاق الغنى بموارده.
وأضاف إن دفع السودان لمتأخراته المالية للبنك الدولي تُعتبر واحدة من أهم نتائج الإصلاحات الاقتصادية التي تقوم الحكومة الانتقالية بتطبيقها، وهو يُعتبر إنجاز حقيقي للشعب السوداني الذي تحمَّل تبعات تلك الاصلاحات الهيكلية، والتي عظَّم من حدتها وصعوبتها جائحة الكورونا، كما ستساهم عملية سداد المتأخرات بشكل مباشر في مساعدة الحكومة الانتقالية لتطبيق برنامجها الاقتصادي الذي يضمن استقرار ونمو وازدهار الاقتصاد في السودان وخلق فرص عمل لجميع المواطنين.
ووصف د. حمدوك الإنجاز بأنه مهم يُعد خطوة كبيرة في اتجاه وصول السودان “لنقطة القرار” فيما يختص بمبادرة الدول الفقيرة المُثقلة بالديون (HIPC). تتقدم الحكومة بخالص الشكر والتقدير لكافة الشركاء الدوليين لدعمهم المستمر للشعب السوداني، ونختص بالشكر البنك الدولي وحكومة الولايات المتحدة لدورهم الفعال في انجاز هذه الاتفاقية.
وقال د. حمدوك بدأنا نجني ثمار هذه الإصلاحات، ومنها على سبيل المثال استقرار في سعر الصرف والآن البدء في عملية إعفاء الديون وسداد المتأخرات. وها نحن نستشرف العهد الذي ننعم فيه بمزايا عديدة كانت مسلوبة، ونتمتع بحقوق متنوعة كانت محجوبة، ويمنحنا مثل هذا الإعفاء الذي يدخل حيز النفاذ الآن، الفرصة لفعل ذلك، وبزيادة تواصلنا مع العالم بشفافية ووفق شراكات واضحة يكون الفتح المرتقب في ربط الاقتصاد بالأسواق العالمية كمدخل لزيادة الاستثمار المحلي والأجنبي والانتاج والتصدير وتوسيع فرص العمل خاصة للشباب.
الشعب السوداني هو صاحب الجهد الأكبر في هذا الإنجاز بوقوفه داعماً وسانداً لحكومته ومتفهماً وصابراً على الصعاب، وسوف يجني هذا الشعب العظيم ثمرة جهده وصبره تنمية مستدامة وحياة كريمة.
وأضاف ما يزال الطريق طويلاً وشائكاً نحو الإصلاح الشامل، فإعفاء الديون وفتح الباب أمام التمويل الخارجي هو فقط جزء من منظومة شاملة تبلورت برؤية واستراتيجية وطنية وتبذل الحكومة كل جهد ممكن لإكمالها وتنفيذها حتى ينطلق اقتصادنا ويحقق التنمية المنشودة.
النضال والجهد الأكبر المطلوب هو الإصلاح الداخلي مثل بناء المؤسسات الوطنية واصلاح السياسات والقوانين والتشريعات والإصلاح المؤسسي وعلى رأسها إصلاح الخدمة المدنية وإصلاح بيئة الأعمال والاستثمار للمواطن السوداني أولاً الذي عبره تتهيأ الساحة للمستثمر الأجنبي ثانياً.
يجب أن ندرك ألا إصلاح اقتصادي حقيقي إلا بتحرك عجلة الإنتاج وضمان انخراط فئات عديدة أهمها الشباب وذوي المهارات والحرف والمهنيين في مشروعات نهضوية كبرى، تستوعب قدراتهم وتحولها لتروس في ماكينات الإنتاج.
ووعد رئيس وزرا الحكومة السودانية الشعب السوداني والمجتمع الدولي بالمضي قدماً في التخطيط والعمل الجاد للاستفادة القصوى من مصادر التمويل الجديدة هذه في إنجاز ما وعدنا شعبنا به من مشاريع تنموية كبرى في مختلف بقاع السودان تطبيقاً لشعارات الثورة وتحقيقاً للعدالة الاجتماعية.
وشكر حكومة وشعب الولايات المتحدة الامريكية والذي ساهم بالقرض التجسيري والذي يبلغ مليار ومائة وخمسون مليون دولار تتيح للسودان الحصول على إثنين مليار دولار كمنحة من وكالة التنمية الدولية ويفتح آفاق للتعاون مع المؤسسات المالية العالمية الأخرى والشكر أيضاً للبنك الدولي على المنحة القيمة والتي استخدمت في سداد القرض التجسيري.
هذا الدعم الكبير والمتواصل في مجالات عدة من الولايات المتحدة ومن البنك الدولي ومن شركائنا وأصدقاء السودان هو نتاج لنضال الشعب السوداني وثورته الملهمة نحو الحرية والسلام والعدالة والتي مهدت الطريق لاستعادة كرامة ومكانة الشعب السوداني واحترامه لدى العالم وها هي الأبواب تفتح باباً تلو الآخر لعودة السودان كعضو فاعل في المجتمع الدولي.
ومن جهة أخرى أصدرت مجموعة البنك الدولي بياناً جاء فيه سددت جمهورية السودان متأخراتها المستحقة للمؤسسة الدولية للتنمية، مما سيمكنها من إعادة مشاركتها الكاملة مع مجموعة البنك الدولي بعد ما يقرب من ثلاثة عقود من الانقطاع وتمهيد الطريق أمام البلاد للوصول إلى ما يقرب من 2 مليار دولار من منح المؤسسة الدولية للتنمية للحد من الفقر وتحقيق الانتعاش الاقتصادي المستدام. من خلال تسديد متأخراته، يكون السودان قد أكمل أيضًا خطوة رئيسية من مطلوبات الحصول على إعفاء شامل من الديون الخارجية في إطار مبادرة البلدان الفقيرة المثقلة بالديون (الهيبك).
قال ديفيد مالباس، رئيس مجموعة البنك الدولي “يعد هذا اختراقًا في وقت يحتاج فيه السودان إلى مساعدة العالم لدعم تقدمه التنموي. إن الخطوات التي تم اتخاذها حتى الآن، بما في ذلك تسوية المتأخرات وتوحيد سعر الصرف ستضع السودان على طريق إعفاء الديون والإنعاش الاقتصادي والتنمية الشاملة. أنا ممتن جدا لحكومة الولايات المتحدة الأمريكية على دعمها السخي لتسهيل عملية سداد متأخرات السودان. أهنئ حكومة السودان على التزامها بالإصلاح وأتطلع إلى فرص أكبر لمجموعة البنك الدولي لدعم الشعب السوداني.”
المؤسسة الدولية للتنمية هي مؤسسة تابعة لمجموعة البنك الدولي تعمل على مساعدة البلدان الأكثر فقرا في العالم. وقد أمكن سداد هذه المتأخرات من خلال قرض تجسيري قيمته 1.15 مليار دولار أمريكي من حكومة الولايات المتحدة. تدعم المؤسسة الدولية للتنمية أجندة الإصلاح في السودان من خلال عملية إعادة المشاركة وإصلاح السياسات التنموية. تهدف الإصلاحات إلى دعم النمو الاقتصادي في السودان وبرنامج الحد من الفقر لجعل الاقتصاد السوداني أكثر تنافسية وتعزيز الشفافية وزيادة الاستثمارات وخلق فرص العمل وتعزيز الحماية الاجتماعية.
قال جبريل إبراهيم، وزير المالية والتخطيط الاقتصادي “من خلال تسوية هذه المتأخرات نتطلع إلى تأمين التمويل الذي نحن في أشد الحاجة إليه من مجموعة البنك الدولي والمؤسسات المالية المتعددة الأطراف الأخرى حتى نتمكن من تقوية اقتصادنا ونصل إلى جميع أنحاء السودان بمشاريع التنمية التحويلية الضخمة. نحن ممتنون لحكومة الولايات المتحدة الأمريكية لدورها الكبير في تسهيل عملية السداد هذه، والتي تدعم بالتالي مساعينا نحو إعفاء ديون السودان كاملة من خلال مبادرة البلدان الفقيرة المثقلة بالديون (الهيبك).”
بعد تسوية المتأخرات، سيتمكن السودان من الحصول على كل الفرص التمويلية المتاحة من مجموعة البنك الدولي بما فيها من منح وقروض، ويشمل ذلك تمويل المشاريع التنموية من المؤسسة الدولية للتنمية (IDA) وتمويل القطاع الخاص من خلال مؤسسة التمويل الدولية (IFC) والتأمين ضد المخاطر السياسية المقدم من قبل الوكالة الدولية لضمان الاستثمار (MIGA) لتسهيل الاستثمارات الأجنبية المباشرة.
قال حافظ غانم، نائب رئيس البنك الدولي لمنطقة شرق وجنوب أفريقيا ” يتمتع السودان اليوم بفرصة لا تتكرر إلا مرة واحدة لوضع نفسه على طريق التجديد الاقتصادي والاجتماعي. أشكر شركائنا الدوليين الذين عملوا معنا لإيصال السودان إلى هذه المرحلة المهمة وأتطلع إلى المزيد من الفرص المستقبلية لدعم الشعب السوداني من مجموعة البنك الدولي”.
لزيادة الدعم المقدم للسودان إلى الحد الأقصى، قدم البنك الدولي للسودان منحًا ما قبل تسوية المتأخرات بلغت قيمتها حتى الأن 410 مليون دولار للتخفيف من آثار الإصلاحات الاقتصادية من خلال برنامج دعم الأسر في السودان ولمساعدة السودان على إحراز تقدم نحو إعادة المشاركة. يهدف البرنامج إلى تقديم تحويلات نقدية مباشرة إلى 80٪ من الأسر السودانية، أي ما يقرب من 32 مليون مواطن سوداني للتخفيف من تأثير الإصلاحات الاقتصادية وغيرها من الصدمات قصيرة الأجل