بكين (شينخوا):
في إطار مبادرة الحزام والطريق، يتوسع حجم التجارة والاستثمار والتعاون في مجال بناء القدرات بين الصين والدول العربية بوتيرة مستمرة وسريعة، ويحقق البناء المشترك للبنية التحتية في شتى المجالات اختراقات مستمرة، ومن بينها التعاون المالي الصيني العربي الذي يعد بمثابة دعامة مهمة لدفع تحقيق وتعميق أهداف الترابط والتواصل.
فعلى الرغم من تأثير جائحة فيروس كورونا الجديد (كوفيد-19) وتعثر تقدم بعض مشاريع التعاون، إلا أن الطرفين الصيني والعربي يعملان على تحقيق المواءمة بين إستراتيجياتهما التنموية في ظل المزايا التكاملية للتحول الاقتصادي والطلب الداخلي لتعزيز التنسيق بين مختلف الدول في مجالات عدة ومن ضمنها الوقاية من المخاطر المالية الناجمة عن أزمة الصحة العالمية والسيطرة عليها.
وفي هذا الصدد، أشارت يه واي، الخبيرة بكلية العلاقات الدولية والشؤون العامة في جامعة شانغهاي للدراسات الدولية، إلى أن التعاون المالي الصيني العربي يرتكز على تاريخ طويل من الصداقة وطلب واقعي ملموس، مضيفة أن “الجانبين حققا نتائج ملموسة في قطاعات مختلفة ولا يزال لديهما فضاء واسع لإنجاز المزيد من أهداف التنمية”.
وخلال الأعوام الماضية، انطلق التعاون المالي على المسار السريع. ففي عام 2012، أصدر الجانبان “مبادرة إطار هيكلي لتعميق التعاون المالي الصيني العربي” خلال المنتدى الفرعي المالي التابع للمنتدى التجاري الاقتصادي بين الصين والدول العربية. وفي عام 2018، أكدت الصين وجامعة الدول العربية على أهمية تعزيز التعاون المالي والنقدي بشكل نشط وجعله مهمة هامة في العقد الجديد. وبعدها، جاء إعلان الجانبين عن إنشاء “اتحاد البنوك الصينية العربية” بهدف تحقيق اختراق جديد في بناء آلية التعاون المالي متعددة الأطراف ودفع التنمية المنسقة للرأسمال الصناعي والرأسمال المالي.
وقد أطلقت الصين والإمارات في ديسمبر 2015 صندوق استثمار مشترك بقيمة 10 مليارات دولار أمريكي، يركز على مجالات الطاقة التقليدية وتطوير البنية الأساسية والصناعات التحويلية المتطورة. ويمثل الصندوق، مع مرحلة استثمارية أولى تبلغ قيمتها 4 مليارات دولار، قفزة كبيرة للأمام في إطار تعاون اقتصادي أوثق بين البلدين. كما ساعد الصندوق في تعزيز التعاون البراغماتي الصيني العربي وتيسير التعاون العالمي في مجال التصنيع.
ويمضى التعاون الصيني الإماراتي قدما بخطى سريعة في هذا الصدد، حيث أقام بنك الصين للصناعة والتجارة وبنك الإعمار الصيني والبنك الزراعي الصيني وبنك الصين فروعا في الإمارات لتوفير دعم مالي للشركات الممولة باستثمار صيني فضلا عن الشركات المحلية. وأطلق البنك الزراعي الصيني خدمات مقاصة بالرنمينبي في الإمارات، فيما أصبح بنك الصين للتجارة والصناعة الأكبر في إصدار السندات في ناسداك دبي.
وبالإضافة إلى ذلك، أصبحت بورصة دبي للذهب والسلع أول منصة سوق أجنبية تستخدم الآلية الجديدة لتحديد سعر الذهب باليوان، وتسمى “سعر شانغهاي المرجعي للذهب”، من أجل دعم المنتجات المشتقة.
وفي عام 2016، تم تأسيس جمعية التعاون المالي الآسيوي بناء على مبادرة من الصين. وقد قال سفير الصين لدى لبنان وانغ كه جيان، إن “أساس التعاون المالي بين الصين والدول العربية هو أساس جيد وهناك إمكانية كبيرة لتوسيعه وأن الدول العربية هي الشريك الطبيعي للتعاون في التشارك ببناء “الحزام والطريق”.
ورأى أن “أهمية التعاون المالي تبرز من كونه واحدا من 5 محاور لبناء “الحزام والطريق” وهي تناسق السياسات وترابط البنى التحتية وتواصل الأعمال وتداول الأموال وتفاهم الشعوب”.
إن “التعاون المالي غير قائم بشكل منفصل وإنما يتماشى مع التعاون التجاري والاقتصادي والصناعي ويدعمه”، هكذا قالت يه، مضيفة أنه في إطار مبادرة “الحزام والطريق”، يتعمق التعاون التجاري والاستثماري بين الصين والدول العربية بشكل مستمر وتتزايد الاحتياجات المالية مثل الحاجة إلى تمويل المشاريع والخدمات المالية عبر الحدود وتمويل الحماية من المخاطر، فيما تعمل المؤسسات المالية الصينية والعربية باستمرار على تحسين عملياتها الدولية وقدرتها على الاستفادة من تكامل الموارد.
وفي عام 2016، ومن بين المجالات العديدة التي أعربت الصين عن استعدادها إلى توسيع نطاق التعاون فيها مع مصر مثل التجارة والقطاع المالي وتكنولوجيا الفضاء والطاقة وتنمية الموارد البشرية والأمن، رأى الخبراء أن الجانبين حققا نتائج جيدة في القطاع المالي والاقتصادي.
ففي مايو 2019، وافقت الهيئة العامة لمنطقة قناة السويس الاقتصادية على تجارة الصادرات والواردات، ووافقت على مشروع لوجستيات مرهونة في منطقة السويس للتعاون الاقتصادي والتجاري بين الصين ومصر (تيدا)، ما جعل شركة (تيدا) أول شركة أجنبية تمارس تجارة الرهن الدولية وتجارة إعادة التصدير في مصر.
وقد قال لي داي شين، المدير العام التنفيذي لشركة (تيدا) للاستثمار الصيني- الإفريقي المحدودة، وهي المطور والمشغل لمنطقة التعاون، إنه بفضل جهود الحكومتين، شهدت منطقة التعاون “تنمية فائقة السرعة” خلال السنوات الماضية، وأوضح لي أن “هذه الأنماط من التعاون الأعمق يتم تطبيقها بشكل تدريجي، بالإضافة إلى التعاون بشأن إنشاء البنية التحتية”.
وبنهاية 2020، جذبت منطقة التعاون 96 شركة وتخطت الاستثمارات بها 1.25 مليار دولار أمريكي. ومع تجاوز عوائد المبيعات 2.5 مليار دولار أمريكي، دفعت الشركات في المنطقة ضرائب تجاوزت 176 مليون دولار أمريكي، ووفرت 4000 فرصة عمل مباشرة و36 ألف فرصة توظيف في الصناعات ذات الصلة.
وفي هذا الإطار، قالت يه إن تعزيز التعاون المالي عبر الإقليمي مع الصين سيوفر أيضا فرصا للدول العربية للتغلب على صعوبات الإصلاح الاقتصادي والمالي الخاصة بها، وبالتالي المشاركة بشكل أفضل في مكاسب التحرير المالي وخلق بيئة مالية مستقرة وصحية.
ورغم التحديات الناجمة عن جائحة كوفيد-19 في أنحاء العالم، بذلت الصين والدول العربية جهودا حثيثة لدفع التعاون المالي والاقتصادي المشترك، حيث عُقد المؤتمر الصيني-الإماراتي للاستثمار الابتكاري 2020 في العاصمة الصينية بكين خلال فترة 14-16 نوفمبر تحت رعاية مصرف الإمارات العربية المتحدة المركزي وسوق أبو ظبي العالمي، بحضور ما يقرب من مائة من نخبة رجال الأعمال من البلدين عبر دائرة الإنترنت أو في الموقع.
يذكر أن المؤتمر الذي يعد ضمن فعاليات مهرجان أبو ظبي للتكنولوجيا المالية “فينتك أبو ظبي” 2020، هدف إلى رفع مستوى التعاون الاستثماري والمالي بين الصين والإمارات.
وقال علي عبيد الظاهري، سفير دولة الإمارات العربية المتحدة لدى الصين، إنه مع استمرار انفتاح قطاع المالية والخدمات في الصين، أنشأ سوق أبو ظبي العالمي أول مكتب تمثيلي خارجي له في بكين في عام 2018، على أمل تطوير الإمارات كمركز مالي واستثماري في منطقة الشرق الأوسط في إطار مبادرة “الحزام والطريق”، بما يدعم مؤسسات ومشاريع كبرى بين البلدين.
كما ذكر فو تشنغ قانغ، ممثل سوق أبو ظبي العالمي في الصين، أن التطور المتزايد في هذا المجال يقوم على إيمان حقيقي لدى الصين والدول العربية بالفوائد الكبرى التي يمكن تحصيلها من تعزيز هذه العلاقات، ويسهم في السير قدماً نحو آفاق أوسع من التلاقي والمنفعة المتبادلة اللذين تعتمدهما الصين كمبدأ أساسي في علاقاتها مع دول العالم لكي يحتضن الجميع مستقبلا مشرقا معا.