صحيفة اللحظة:
بعدما عصف فيروس كورونا ومتحوّراته بالاقتصاد العالمي خلال العامين الماضين، تحولت الهواجس منذ منتصف عام 2021 باتجاه موجة التضخم، التي باتت التهديد الأكبر بالنسبة إلى معظم الاقتصادات المتقدمة والنامية والناشئة على حدّ سواء.
خلال النصف الثاني من 2021، أصرّ قادة البنوك المركزية الكبرى على أن التضخم حالة مؤقتة ستتلاشى مع الوقت، إلا أن الأشهُر الأخيرة أطاحت بهذه الفكرة تماماً. ورغم حالة القلق التي تساور العالم جرّاء تفشي متحور "أوميكرون" فإنّ صنّاع السياسة النقدية، حسب نتائج اجتماعات البنوك المركزية الأخيرة، صبّوا جُلّ اهتمامهم على ضغوط ارتفاع الأسعار والتضخم على حساب المخاطر الاقتصادية المتوقعة من تفشي المتحور الجديد، الأمر الذي قد يهيئ الأسواق لتضع رهانها على وتيرة أسرع من تشديد السياسة النقدية خلال عام 2022.
"الشرق"، في إطار تغطيتها لأبرز الأحداث المؤثرة في عام 2021، التي يُتوقّع أن يستمر تأثيرها في العام المقبل، سلّطت الضوء على التضخم عبر استضافتها للمحللين: ستيف سوسنيك، كبير الاستراتيجيين في شركة "إنترأكتيف بروكرز" (Interactive Brokers)، ومارك لاثام، المدير العام لشركة "كوموديتي إنتليجينس" (Commodity Intelligence)، وباسم حشاد، الخبير الاقتصادي والاستشاري الدولي للبرنامج لإنمائي للأمم المتحدة.
البداية كانت عند بنك إنجلترا في الشهر الأخير من 2021، عندما فاجأ الأسواق برفع الفائدة إلى 0.25%، فيما تشير التوقعات إلى موجات ارتفاع كبيرة في أسعار الفائدة حول العالم خلال عام 2022 في ظل موجة تضخم عالمية.
ففي الأشهر الأخيرة من 2021، سجّلت مستويات التضخم معدلات غيرة مسبوقة، خصوصاً في الاقتصادات المتقدمة، إذ سجّلت الولايات المتحدة وألمانيا أعلى مستوى تضخم منذ تسعينيات القرن الماضي، في حين كان التضخم عند أعلى مستوياته منذ 10 سنوات في كل من أوروبا بريطانيا. موجة ارتفاع الأسعار انعكست على مختلف الأوجه المعيشية، بدءاً من الغذاء والسلع الاستهلاكية ووصولاً إلى السكن والمواد الأساسية.
يرى ستيف سوسنيك أن "البنوك المركزية يجب أن تتعامل مع خيط رفيع يفصل بين محاربة التضخم والحفاظ على النمو في آن واحد، في حين أن هذه البنوك لم تعتَد ذلك، إذ إنها اعتادت ضخ الحوافز في الاقتصادات بالاتجاه الصعودي منذ عام 2009"، لافتاً إلى أنه خلال تلك الفترة كانت للصين ضغوط على السلع الأساسية، إلا أن انفتاح الأسواق بعضها على بعض أدّى إلى تراجع التضخم على تلك السلع.
سوسنيك أكد أن "فترات التراجع التي شهدتها أسعار السلع الأساسية انتهت، ويجب على البنوك المركزية أن توازن في هذه المرحلة بين الإجراءات التشددية في سياساتها النقدية والأسواق التي اعتادت الإجراءات التيسيرية من البنوك المركزية".
مضيفاً: "صنّاع السياسة النقدية في الاحتياطي الفيدرالي تخلَّوا عن فكرة التضخم المؤقت، إلا أنهم ما زالوا ملتزمين مضامين وتوقعات فكرة (التضخم المرحلي)، كما أن أسعار الطاقة تسهم في تفاقم حالة التضخم، ويتجلى ذلك بوضوح في نواحي الحياة اليومية في دول اليورو مقارنةً بالولايات المتحدة".
أزمة طاقة مزمنة:
من جانبه، يعتبر مارك لاثام أن التضخم ليس أمراً مؤقتاً، مشيراً إلى وجود أزمة طاقة مزمنة حول العالم "تغذي المسار الصعودي لحالة التضخم التي تعيشها الاقتصادات الآن، وليس بإمكان البنوك المركزية الأوروبية معالجة أزمة الطاقة لأن معالجة هذا التحدي تقع على عاتق الحكومات، ودور البنوك المركزية يقتصر على عدم ضخ مزيد من النقد في الوقت الراهن الذي يشهد تضخماً مرتفعاً"، لافتاً إلى أن الاستمرار في تفاقم أزمة التضخم إلى جانب أزمة الطاقة قد يؤدي إلى أزمة تستمر إلى 10 أعوام.
ويعتقد لاثام أن زيادة إمدادات الطاقة في هذه المرحلة ستكون الحل الأمثل لمعالجة حالة ارتفاع مستويات التضخم على المدى المنظور.
أزمة الفقر والغذاء:
بدوره، يشدّد باسم حشاد على أهمية تضافر الجهود الدولية للحد من أزمة الفقر التي تتفاقم وعلاج اضطراب سلاسل توريد الغذاء، خصوصاً مع حالة التضخم التي تشهدها أسعار السلع الغذائية بعد تفشي جائحة كورونا.
حشاد لفت إلى أن العالم بصدد أزمة فقر تاريخية، منوّهاً بأن الدول الغنية استغلّت تاريخياً موارد عدد من الدول الفقيرة لبناء مستويات اقتصادية متقدمة، وبالتالي توجد ضرورة لدعم اقتصادات تلك الدول الفقيرة خلال الفترة الحالية لمجابهة تفشي واتساع رقعة الفقر، عبر توفير التمويل والتزام التعهدات التي أُعلن عنها على مدى السنوات الأخيرة.