الرئيسية » المقالات » كتب[دكتور خالد حسن لقمان] نحن وإسرائيل .. هكذا نفهم ما يحدث لنا!!

كتب[دكتور خالد حسن لقمان] نحن وإسرائيل .. هكذا نفهم ما يحدث لنا!!

خالد حسن لقمان

لدي قناعة كاملة ورغم أنف من يتمترس بغباء وجهل أمام ما أسموه بنظرية التآمر .. بأن اسرائيل هي مفتاح لفهم كل ما يدور في الفلك العربي و ما يتاخم هذا الفلك من فضاء سواءً على مستوى الارتباط الجغرافي او الاقتصادي او السياسي ومنطلقي الذي أشير فيه هنا ببساطة سيكون عبر النظر  لما لدى هذا الكيان  من مصالح استراتيجية مضى  في تحقيقها بنجاح كبير حتي الآن وهو النجاح الذي أجلي الخارطة الإقليمية للمنطقة العربية على ما هي عليه الآن .. ماذا حققت اسرائيل فقط خلال العقدين الماضيين ..؟؟!! 

 اليكم ما حققته : انتهت من الجيش العراقي الذي كان يهددها بأكبر قائد عربي داعم للقضية الفلسطينية .. ادخلت الجيش السوري ( باعتباره جيش المجابهة الثاني أمامها بعد الجيش المصري )  في صراعات داخلية افقدته دوره واتزانه واقصته عن المسارات الحية   المناهضة لها .. انتهت من ليبيا القوة المالية و زعيمها الثوري المزعج و زجت أخيراً بالسعودية وإيران كأكبر البلدان الإسلامية في حرب مذهبية كرهت ان تتدخل الصين  الآن لاخمادها بنجاح حتي تبادل السفراء والأسري .. !! 

من بقي لها اذاً لتدمره ليكتب لها البقاء بسلام من غير جيوش عربية تهددها .. ؟؟!! .. بقيت فقط  مصر و جيشها الذي يصنف كأكبر وأقوى جيوش المنطقة لاستفادته من مساعدات كامب ديفيد التي لازالت مستمرة رغم انف ترمب وبايدن ( والا فروسيا موجودة .. روسيا التي تبنى الآن لمصر مفاعلها النووي في الضبعة .. عندما طلب ترمب الملف المصري وقرأه قذف به الي الأرض وقال لمساعديه : لماذا ندفع لهم و لماذا نساعدهم ..؟؟ .. أوقفوا هذه المساعدات لمصر

 ( هذا الجاهل يقصد مساعدات اتفاقية كامب ديفيد التي توقفت عبرها الحرب العربية المصرية و بمقتضاها أصبحت مصر رقيبة علي قطاع غزة الذي نما وازدهر نتيجة لهذه الرقابة مع تضافر المساعدات العربية التي أقامت له بنيته الاساسية في مقابل وقف الهجمات الثورية الفلسطينية التي ازعجتها بحيث يمضي أمر السلام بدخول الفلسطينيين أنفسهم فيه وهو ما حدث بالفعل في أوسلو)

  افضل هذا التصرف من جانب ترمب  الرئيس  السيسي الذي سافر بعده وفي اقل من اسبوع لروسيا لتجنب اسرائيل و لوبياتها الضاغطة على الادارة الامريكية فكانت النتيجة ان ابتلع ترمب أفكاره ونواياه تجاه مصر واعاد الامور لما كانت عليه إلا ان ذلك أسفر عن أول شرخ في التحالف التاريخي العربي – الأمريكي منذ انتهاء الحرب

 وهو ما شجع الملك سلمان ينتهج نفس منهج السيسي عندما واجه الرئيس بايدن بقضية خاشقجي .. فعلها بايدن ببرود باعتبار الرجل الذي أمامه مثله مثل ملوك الدولة العربية الأكثر غنيً بالبترول وهو في هذا يبر بوعده منتخبيه الأمريكان عندما وعدهم بسياسة جديدة تجاه السعودية لا تتجاهل فيها قضايا العدالة التي جسموها في قضية خاشقجي 

 ولكن الأمير الشاب غضب من الاستفزاز المهين وما ان وصل ترمب لمكتبه في البيت الأبيض حتى وضع أمامه تقرير عاجل عن اتفاق دول الأوبك بلس بقيادة السعودية على تخفيض الانتاج ورفض المجموعة الانصياع لرغبة الأمريكية خاصة .. هنا تضحك روسيا عبر لافروف من الكابوي الامريكي وهو يفقد أكبر دولة حليفة له في المنطقة بل و تهديها الدب الروسي والتنين الصيني بكل اريحية وكرم  .. من هنا بدأت مسيرة التحالفات العربية الجديدة فمضي بن سلمان و عزز موقفه ذاك خوفه من تكرار حادثة الملك فيصل فيتم القضاء عليه لان الخيار الآخر للامريكان الغاضبين عليه كان إحداث بلبلة داخل الاسرة المالكة تطيح به 

او الخيار الثالث وهو احداث ثورة شعبية وبالطبع فهذا الخيار الأخير ليس له حظ كما ان سيطرة بن سلمان وحسمه للوضع في الأسرة منذ وقت مبكر  جعل الخيار الاوسط هو الآخر غير موضوعي على الاطلاق .. اذاً فهو الخيار الأول المخيف والذي بمقتضاه تبدل  مزاج الملك وبالتالي المناخ الملكي بمن فيه حول البيت المالك و تبدلت شركات الحماية لتظهر القامات القصيرة بوجوهها الصفراء و القامات الطويلة بأجسامها الممتلئة ووجوهها البيضاء كما وحليب أرض تهامة 

 الآن اصبح الوجود الروسي – الصيني واقعاً في أرض العرب) .. علي ظلال هذه التحولات التحالفية الضخمة و المثيرة في المنطقة تستبق إسرائيل ما يحدث لتنفيذ هدفها الأخير و الأهم وهو إضعاف مصر من حدودها الجنوبية عبر دولة فاشلة تجرها لصراعات تنهكها وتنهك جيشها القوي حتي يضعف رويداً رويداً فتنقض عليه سواءً بيدها أو عبر الآخرين الذين تبني معهم الآن التحالفات في المنطقة و تعزز خصوماتهم مع مصر ايضاً رويداً رويداً 

 ومع مصر وضعفها تختنق المملكة السعودية عبر سيطرة  اسرائيلية على البحر الأحمر الذي يعتبر للسعودية ومصر ممر أمني من الدرجة الأولى وهو سعي بدأ بالفعل عبر  عملاءها حتي من العرب الذي يلبسون العقالات وان كانت بلون آخر غير الأسود علي الملفحة البيضاء  .. ولكن الزمن يمضي خانقاً هذا الكيان العنيد  ولابد من تسريع الخطوات  .. و من أين يتم اضعاف مصر .. ؟؟ 

 لا سبيل لذلك سوى عبر السودان  بإحالته لدولة فاشلة ينتهي بها المطاف لإضعاف جارتها الشمالية عبر تورطها في حروب ميليشيات طاحنة و ليبيا حاضرة في الذهن المصري وهي تجربة كادت ان تحقق لاسرائيل هدفها لولا التعامل المصري الحاسم و القوي .. الآن اثيوبيا علي الخط و سد النهضة سيظل هو مشروع الصراع الحتمي في المنطقة ولابد من دولة قوية في الجنوب لتمثل العمق اللوجستي المثالي لمصر  .. السودان الآن لمصر أهم لقادتها من أي وقت قدروا فيه هذا 

 ومثل هذا الشعور لم ينمو فقط الي هذا المستوي حتي خلال مشاريع الوحدة الأولى حين كان  البلدان لا زالا يتنسم عبير الاستقلال و لا حتى خلال سنوات التكامل القوي بين الصديقين النميري و السادات .. الآن السودان ليس حلم للمخيلة المصرية .. بل واقع حي أمامها تتعامل معه بالسنتيمتر و القطرة التي تنزل من أمبولة السائل   الحيوي .. إنها قضية وجودية من الدرجة الأولى 

هذه هي الحقيقة التي تجاهلتها مكرهة اسرائيل و هي تسابق الزمن قبل ان تنجلي صورة العالم الجديد وتتغير خريطة التحالفات الدولية   بتقاطعاتها مع تحالفات المنطقة الاقليمية العربية عطفاً علي تحالفات العالم الجديد الذي تمثله الصين وروسيا والهند والبرازيل و عدد من الاقطاب الواعدة بإمكانياتها وأدوارها  ومنها دول عربية كبيرة وافريقية ناهضة بوعي جديد  

هؤلاء  تدرك اسرائيل انهم ما ضون معاً في رحلة تدمير الامبراطورية الامريكية الدولارية في تحالف قوي مع كبار هذا المحور الذين لم يبقي لهم شئ سوي تحديد ساعة الانقضاض خاصة مع ضعف حليف  فريستهم الاوروبي التائه الآن من غير ارادة ولا رؤية تحافظ علي وحدته مع ضعفه المريع  في بنيته الاقتصادية وتصدعها المتوالي الآن .. واسرائيل مستيقظة لهذا بل و متحسبة له تماماً وهي تفكر الآن بتسارع و تسائل نفسها :
أين  سيكون موقعها بين المتوارين من دسك الكبار و القادمون الي صالون  العالم الجديد الذين سيدخلون بحلفائهم العرب المناهضين لمشروعها الاستراتيجي .. هذه هي المحنة الاسرائيلية التي تفسر اهتزاز صورة الدولة العبرية خلال الفترة الاخيرة التي شهدها العالم لأول مرة للدرجة التي ازعجت الامريكان الحلفاء فتدخلوا لانقاذها ..
.. اذاً نحن أيها السادة لسنا في هامش المخيلة الاسرائلية بل في لبها و عقر وعيها .. و من هنا نفهم الدور الاسرائيلي في السودان و نقرأه بموضوعية و ذهن منفتح وليس متمترس حول الكفر المباح بنظرية المؤامرة علي الوجود الاسلامي – العربي مقابل التمكين للوجود الصهيوني الطامح بقوة لا تلين وارادة  لا تفتر ..