وعلى أجنحة غيمة توشك على الهطول بواكير خريف العام لتسقي جدب حياتنا يغادر على متنها الحبيب الأستاذ (بابكر الجاك) حفيفا… خفيفا عند العشيات الحزينة بلا أمتعة او لحاف… وغادر دون أن يترك كلمة وداع للصحبة التي تجاهد الحنين.. ويحلق عاليا.. عاليا مخلفا الحسرة والحزن المقيم… وخنجر الفجيعة يعربد بين الجوانح والضلوع وتستوطن الدمعة الأحداق.
كان الراحل في الموعد دائما حبا وكرامة ونبلا ووطنية… يسمو فوق الجراح والاحن… يرنو إلى الشمس المضيئة ويحلق في الآفاق يبقى الكون حرية و عدلا وسلاما…. كان قامة وشامة وعلامة في بلاط صاحبة الجلالة التي أنفق في التبتل في خدمتها انظر واعز ايام العمر الجميل مواجهة وَنكابدة ومجابهة ومصادمة ويسعى بكل الصلابة نحو تحقيق غايته السامية لأجل الوطن غير هياب ولا متوان.
عرفنا الحبيب بابكر لما يقارب أربعين عاما عامرات بحبه ووفائه ومكرماته ومجلداته من أجل أن ترقى بلاده إلى حيث المراقي التي تليق بها أمة ذات شأن بين الأمم العظيمة.
بفقد الراحل نفتقد قلما مقاتلا مصادما لا تلين له عريكة ولا يخشى في الحق لومة لائم وقد صدع به كل سنوات كفاحه الطويل في الصحافة حتى صار رقما واسما له رنين الأجراس ودوي الطبول.. وكم نافح وكم ناضل وكم زلزلت مقالاته المحتشدة بقيم الوطنية أركان الظلم والقصور والإهمال والتراخي الحكومي.
كان الراحل المقيم المتسرب في الوجدان والذاكرة الحية قائد جحافل الصحفيين الوطنيين الذين قهروا الظلم بمداد أقلامهم وأعلنوا العصيان على الذل والقهر والكبت ومصادرة الأفكار والحريات وكان في طليعة من قادوا مبادرات التغيير وفضح جند العمالة والارتزاق منتهكي حقوق وكرامة المواطن وذلك على مر العهود السياسية والحكومات المتعاقبة.
سارت بمقالاته النارية الصادعة بالحق الركبان فقد كانت منظومة بمداد الخير والحق والجمال وتناثرت حروفه الضاويات عبر كل الصحف وتناقلتها الأسافير واتكأ المغلوبين على ضفاف صدقها ونضجها وبسالة أفكارها وقوة مضمونها وعنفوان وقعها.
كان للراحل تلاميذ كثر نهلوا من نبعه الذي لا ينضب ونالوا حظهم من خبراته المتراكمة المفعمة بأريج السنين وعصير التجارب وهدير المعارك… كان الراحل يطوي قلبه على محبة وطنه عامة وبحر ابيض بصفة خاصة والذي عاش بينهم لم يغادر ولم يهادن وما سكت عن ظلم او تجني حتى وافته المنية بعيدا عن الأرض التي أحبها وعشقها وافني العمر الجميل في خدمتها ورجعت نفسه المطمئنة الي ربها راضية مرضية وأدخلت في عباده وتدخل جنته بإذن الواحد الصمد وبرغم المصاب الجلل وفداحة الفقد لا نقول الا مايرضي الله… انا لله وانا اليه راجعون.
نعزي في فقدك ومصابنا أنفسنا ونعزي شريكة حياتك العامرة بالمكرمات رفيقة النضال ومشوار الرهق والعنت أرملته الصابرة المحتسبة السيدة (صفية) المرأة النخلة صاحبة البشاشة والترحاب وإكرام الضيف اني حل ومتى حل وطرق بابها اناء الليل وأطراف النهار جودا وكرما وحسن ضيافة حبا وكرامة فهي بنت الاصول التي أكرم الله بها الزوج والعيال والأهل والزملاء والجيران… مثلما نعزي ذريتك الصالحة بإذن الله والذين يسيرون على دربك المضئ ونهجك القويم و ألواح الوصايا محفوظة… ونعزي زملائك واصدقائك ورفاقك وتلاميذك وجيرانك وكل اهلك في النهود وربك والخرطوم وأم درمان وفي كل مكان…. ونعزي بحر أبيض الذي رضعت منه الوفاء والعزم وتكحلت عيونك بمرواد الصلابة.
وداعا يااعز الناس واغلى الرجال ونحسبك الان في مقعد صدق عند مليك مقتدر توفي أجرك مع الصالحين الذين يشبهونك وتشبههم ولا نزكي على الله أحدا.
لهفي عليك وأنت تلحق بحبيبك وصفييك الأستاذ الراحل (محمد عمرابي) ونعلم كم شق نعيه عليك حين غادر… فعليك وعليه شأبيب الرحمة تتنزل فقد كنتما في الموعد دائما نبلا وطهرا وسمو خلق.
الف رحمة ونور على مرقد الحبيب (بابكر الجاك) وسلام عليه في الخالدين.
الحمد لله… له الدوام… والبقاء له وحده سبحانه وتعالى.