الرئيسية » المقالات » البعد – الاخر[مصعب بريــر] مُــــت فــــارغاً ..!

البعد – الاخر[مصعب بريــر] مُــــت فــــارغاً ..!

مصعب برير3

تبادلنا وصديقي الرائع د. نقدالله عبدالرحمن، أطراف الحديث حول تعبير بليغ جديد وفريد .. للوهلة الأولى ظننت أنه عادي !!
مت فارغاً !!
فأهداني هذا المقال مصحوبا بالنسخة الإنجليزية من كتابه القيم الذي ألفه تود هنرى .. واختار له عنوان .. (مت فارغا) .. سأنقل لكم اليوم بتصرف للفائدة ..
مت فارغاً !!
أي من هموم الدنيا ..
من آلامها ..
من المعاصي والآثام ..
من كل شيء ..
و لكنني تفاجأت بمعنى هذا المصطلح الجديد ..!
أي مت فارغاً !!
من كل الخير الذي في داخلك سلّمه قبل أن ترحل ..
إذا كنت تملك فكرة نفذها ..
علم؛ بلّغه ..
هدف؛ حققه ..
حب؛ انشره و وزّعه ..
لا تكتم الخير داخلك ..
فتموت ممتلئا متخوماً ..
وتكون لقمة سائغةً لذيذة لدود الأرض ..!
ففهمت معنى قوله عليه الصلاة والسلام !!
(إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها) ..
كيف يا رسول الله نزرع النبتة والقيامة قامت ..؟!
أجل يريد الحبيب أن نموت فارغين !!
نعيش كل يوم كأنه أخر يوم ، نعطي كل ما نملك ..
نبذل من الطاقة أقصاها ..
ومن العمل أفضله ومن الإبداع أروعه ..
نكون ملهمين فرحين متفائلين ..
نسعى أن نكون فارغين ..
حتى تسمو أرواحنا ..
وتحلّق عالياً !!
ولكن ..
ألم يدلنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الطريق السليم نحو كيف نموت فارغين حين قال: (إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاث: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولدٍ صالح يدعو له) ..
فهل كل حياتنا الا تمهيد لذلك ..؟!
هل أنت فارغ ..؟!
أعتقد أننا جميعاً نزن آلاف الأطنان من الخير ..!!
والعطاء والإبداع والحب ..
والأمل !!
لم نعط إلا القليل ..
ولعلنا نصنف بالبخلاء !!
كم أتمنى أن نشمر ونبدأ بالسباق لنعطي ونستخرج كل ذرة خير داخلنا !!
عندها فقط سنكون خلفاء الله في الأرض ..
بدأت قصتنا الحالية حينما سأل مدير أميركي زملاءه في اجتماع عمل : “ما هي أثمن أرض في العالم ؟!” ..
فبدأت تأتيه الإجابات ، منهم من قال: “إنها أرض الخليج الغنية بالنفط” ..
 ومنهم من قال: “إنها أراضي الألماس في أفريقيا” .. فقال المدير ؛ “إجاباتكم خاطئة ، إنها المقبرة” .. و بدأ يشرح لهم أن المقابر فيها ملايين الناس ممن قضوا نحبهم وهم ما زالوا يحملون في جعبتهم الكثير من الأفكار الثمينة التي لم تر النور بعد ..
كان أحد المستمعين المؤلف الأميركي الشاب (تود هنري) ، الذي أعجبته الفكرة كثيرا، فأطلق كتابه الشهير
“مت فارغا” أو “Die Empty” ..
حيث وضع فيه أفكارا عملية تساعد الفرد على أن يُفرغ يومياً ما في جعبته من طاقات وأفكار ومعلومات مفيدة له و لمجتمعه .. والمتأمل لهذه الفكرة يجدها واقعية جدا .. فكم من شخص ضليع في العلم أو في التجارب الحياتية تخطف الموت زهرة شبابه قبل أن يكرمنا بمخزونه الوفير
لأنه كان يؤجل عمل اليوم إلى الغد ..
وفي عالم الأعمال والحياة عموما هناك من يطلق عليهم بالمرشدين أو أصحاب الحكمة أو التجارب العملية (Mentor) الذين يعكفون على تنوير الناس بأفكارهم وتجاربهم .. فإذا ما تقاعس هذا الفرد عن دوره حرم غيره من خير كثير ..
وكثيرًا ما أتخيل لو أن كل فرد في العالم قدم اليوم أفضل ما لديه بإتقان لصارت الحياة أجمل وأنظم وأدعى للبهجة والسرور.
فمثلاً عندما تتعطل مصالحنا في دائرة حكومية أو خاصة أو نسقط في حفرة أو يتأخر إقلاع طائرتنا لتسيب في إصلاح عطل فني ، فستجد أن شخصاً ما لم يؤد عمل ذلك اليوم على أكمل وجه ..
الحياة رحلة عطاء :
فحين تعطي صديقك أو زميلك من وقتك و جهدك و مشاعرك فإنما أنت تساهم في تحسين بيئة العمل و تريح نفسك وغيرك .. لكن الأهم أن يكون هذا العطاء مستمرا وليس، مزاجيا ..
و لذا قال مؤلف الكتاب تود هنري “لا تذهب إلى قبرك وأنت تحمل في داخلك أفضل ما لديك ، اختر دائما أن تموت فارغا” ..
و ليس شرطاً ان تطبع ما تكتب على شكل كتاب ولكن لابد من كتابتها ليعلمها من بعدك و هذه قمة العطاء و التفاني ..
بعد أخير :
خلاصة القول، يجب أن نحرص على مشاركة الآخرين أفضل افكارنا، علمنا، خبراتنا وانجازاتنا كأننا سنموت بعد قليل، فالعلم الذى ينتفع به هو احد الاعمال الثلاثة التي يأتينا ريعها حتى بعد الممات، فإن بخلنا بذلك فنحن الخاسرين، ما دفعني لكتابة هذه السطور هو خطاب الوداع القيم الذى نشره الدكتور معاذ تنقو، رئيس المفوضية القومية للحدود بمناسبة اعفائه من منصبه، فقد سطر الرجل ملحمة تاريخية ناصعة من العطاء، رغم اننا لم ننتبه له قبلا، وأخيرا، التغيير سنه حسنه يجب عدم مقاومتها أو رفضها، ولكن يجب الاستفادة من خبرات العقول النادرة المعطاءة مثل (تنقو) .. و للحديث بقية بمشيئة الله تعالى ..
حسبنا الله ونعم الوكيل
اللهم لا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك فينا، و لا يرحمنا يا أرحم الراحمين