اسمحوا لى ان استعير حروف (محمّد قرّه) الخالدة التي سطرها في رثاء الموسيقار (فريد الأطرش) مدخلا لرثاء الموسيقار (محمد الأمين)
«وجب على من يكتب عن (ود اللمين) أن يكون واحداً من أولئك الّذين أوتوا نعمة الحديث عن تغريد البلابل، وكرّة العنادل، وسجع الحمائم، ووشوشة السّاقية، وحفيف أجنحة الفراش» ..
لأنّ «من كانت موسيقاه وأغاريده ثمرة آلامه وأوجاعه، فهيهات أن يقدر على رثائه وتعداد خلائقه إلّا من أوتي قلباً كقلبه، وحسّاً عبقريّاً كحسّه» ..
فجعت الأمة السودانية أمس برحيل بلبلها المغرد الموسيقار (ود اللمين) يرحمه الله، فيا لها من فاجعة تضيف وجعا مضاعفا على جرح الوطن النازف غيلة وغدرا، دفعت امتنا السودانية المكلومة فاتورته الباهظة ولازالت ..
(83) عام خلدت تاريخا حافلا من الوان الغناء والطرب خاطبت وجدان الشعب السوداني بنكهة (و اللمين) الفريدة، جعلته يعتلى بجدارة واقتدار عرش ابرز أيقونات الغناء والموسيقى السودانية المعاصرة، بل اضحى أكثرهم صيتاً، وله دورا كبيرا في تطوير الموسيقى السودانية ونشرها خارج السودان ..
برع (ود اللمين) ببداياته الفنية في أداء الفنانين الذين سبقوه إلى سدة الغناء، مثل المرحوم د. عبدالكريم الكابلي و المرحوم الموسيقار محمد وردي، مما اجلى عن قدراته الصوتية الكبيرة واكسبه شعبية وجماهيرية في ود مدني ..
كانت اغنية (بدور القلعة وجوهرها) تذكرة العبور الأولى لـ(ود اللمين) فقد احبها جمهوره بجنون، تلتها أغنية (أنا و حبيبي) حيث قام بتلحينها واداءها بصوره جميله مكنته من إجازة صوته في الإذاعة السودانية، مقرونه بأغنية (حرمان وأمل)، فتمكن حينها من امتلاك افئدة المستمعين ..
القليل جدا من أغاني (ود اللمين) لحنها له اخرون، فقد حباه الله بقدرات صوتيه ولحنية توصف بأنها السهل الممتنع، فأي لحن يوضعه (ود اللمين) يحمل بصماته الفنية التي لا تشبهها أي بصمات أخرى، وقد يعاني مؤدي اغانيه من هذا، ولعل هذا هو السبب في قلة المقلدين الشباب للأستاذ محمد الأمين ..
لقد تغنى (ود اللمين) بكل الوان الغناء الوطني والعاطفي والتراثي، الا انه في كلها اظهر مقدرات فائقة على جعل المستمع له يتبين جمالها الاخاذ ..
أتحفنا (ود اللمين) بالملحمة الخالدة، أكتوبر واحد وعشرين، المتاريس، مساجينك، قلنا ما ممكن تسافر، أسمر يا ساحر المنظر، خمسة سنين، زاد الشجون، عيال أب جويلي، الجريدة، أربعه سنين، وحياة ابتسامتك، الحب والظروف، الموعد، طريق الماضي، حروف اسمك، همس الشوق، كلام للحلوة، حلم الأماسي، لقاء وعهد، غربه وشوق، وعد النوار، بتتعلم من الأيام، لقاء العاملين، ابل الرحيل، السودان الوطن الواحد، بعد الشر عليك، مين غيرك، سوف يأتي، عويناتك، ذات الضفائر، مراكب الشوق، يا جميل يا رائع، طائر الاحلام، بهجة، ود مدنى و تقولين الهوى ..
سطر هذه الروائع عدد من شعراء بلادي المبدعين فقد تغنى ود الأمين للأساتذة (فضل الله محمد، هاشم صديق، د. عمر محمود خالد، اسحق الحلنقي، عبدالباسط سبدرات، محجوب شريف، محمد على جبارة، معاوية السقا، السر كنه، مبارك حسن خليفة، د. مبارك بشير، الفاضل أبو قدير، صالح عبد السيد (أبو صلاح)، خليفه الصادق، محمد الحسن، صلاح حاج سعيد، معتصم الازيرق، أبو أمنة حامد، خليل فرح، كما غنى للشاعر الكبير نزار قباني) ..
ما كان للألحان الرائعة التي وضعها واداها (ود اللمين)، ان ترى النور الا في وجود عازفين مميزين ارتبطوا بمسيرته، منهم صالح عركي، بدرالدين عجاج، ميرغني الزين، الفاتح حسين، ميكائيل الضو، احمد باص، سعد الدين الطيب، أسامة بكلو، ماهر تاج السر، عثمان النو، فايز مليجي، عثمان مبارك، الفحيل، نور الدين مسمار وغيرهم ..
بعد اخير :
خلاصة القول، ستظل ذكرى الموسيقار محمد الأمين، وارثه الفني الخالد محفورا بذاكرة الوطن، كأحد الاعمدة الوطنية الراسخة، وسنظل نترنم بذكراك، غرار العبوس دار الكمال ونقاص .. دوبة حليل ابوي اللي العلوم دراس .. تبكيك الجوامع الانبنت ضانقيل .. لقراية العلم وكلمة التهليل .. بتصادم المغارة خيولا بجن باليل .. يا ود ليل البحور يا الجدك المانجيل .. دوبة حليل ابوي اللي العلوم دراس .. في يوم الخميس جانا الخبر وانشاع .. في الأربع قبل ازرق طويل الباع .. تبكيك الخلوق بي اغزر الدماع .. دوبة حليل ابوي اللي العلوم دراس، وأخيرا، دعواتكم لفقيد الأمة الأستاذ محمد الأمين، بالرحمة والمغفرة، إنا لله وإنا إليه راجعون ..
حسبنا الله ونعم الوكيل
اللهم لا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك فينا، و لا يرحمنا يا أرحم الراحمين