الرئيسية » المقالات » البعد – الاخر[مصعب بريــر] الاسباب الحقيقية لإنهيار منظومة التامين الصحى بالسودان “1” ..!

البعد – الاخر[مصعب بريــر] الاسباب الحقيقية لإنهيار منظومة التامين الصحى بالسودان “1” ..!

مصعب برير3

– استكمالا لمقالنا المنشور بتاريخ (22 سبتمبر 2023م) تحت عنوان (من يحاسب على انهيار منظومة التأمين الصحى)، ندلف اليوم لتحليل الاسباب الحقيقية لانهيار منظومة التامين الصحى بالسودان، هذه التجربة التكافلية العظيمة التى كان لها دورا كبيرا فى خدمة وانقاذ ارواح آلاف المرضى، ودورا اكبر فى مكافحة الفقر عبر تخيف وطأة فاتورة العلاج على محدودى الدخل و الفقراء ..

– تم التوافق على تعريف التامين الصحى بانه نظام يعمل على معاونة الفرد أو الأسرة لمجابهة تكلفة “المخاطر المرضية” بدفع هذه التكلفة كلياً أو جزئياً نيابةً عنه لمقدم الخدمة الطبية، أو بتعويضه مالياً عن الخسارة المترتبة على دفعه لهذه التكلفة، وذلك بموجب اتفاق مسبق يقوم فيه المؤمن له بدفع قسط مالي دوري مقابل حزمة محددة من المنافع يتلقاها عند الحاجة إليها .

– و يعتبر التأمين الصحي أحد المداخلات الإنسانية التي تتبناها الدول في تأسيس قدر من الاهتمام الوطني الاجتماعي لصحة المواطن، و يمثل نظام التأمين الصحي وجهاً من أوجه الضمان الاجتماعي، و على ضوء هذا المنظور فإنه يعد مبدأ تتكافل فيه إمكانات الدولة مع قدرات المجتمع ممثلاً في مؤسساته وهيئاته المدنية، لتوفير الرعاية الصحية لكل القطاعات خاصة تلك التي تقابلها صعوبات في توفير الحد الأدنى من الرعاية الصحية المطلوبة لاستمرارية الحياة والمساهمة في التنمية ..

– و هذا ما جعل كافة الدول النامية منها والمتقدمة تطبق نظام التأمين الصحي المجتمعي – Social Health Insurance الذي يتخذ قاعدة توزيع الخطر علي أوسع نطاق مجتمعي فيعم جميع مواطني الدولة الواحدة مستفيداً من نظرية الأعداد الكبيرة، وهو النمط الذي تبنته كثير من الدول المعاصرة ..

– و فى ظل التطورات المتلاحقة في خدمات الرعاية الصحية وما صاحبها من ارتفاع في تكلفة توفيرها لشرائح المجتمع المختلفة، استصدرت حكومة السودان قانون التأمين الصحي عام 1994م كأحد المعالجات الاقتصادية لحل مشكلة العلاج بعد فشل تجربة العلاج الاقتصادي، لاسباب يعكف خبراء جمعية تعزيز الصحة السودانية الان لدراستها ..

– لاحقا تم تعديل اسم (الهيئة) لتصبح (الصندوق القومي للتأمين الصحي) بقانون 2001 تعديل 2003 والذي أيضا كانت أهم ملامحه : قومية النظام وقومية بطاقة التأمين، واعتمد التطبيق على المناهج الآتية: تخطيط وتنظيم العمل على أساس مركزية التخطيط والسياسات ولامركزية التنفيذ .. تجميع الموارد وإعادة توزيعها حسب تكلفة الخدمات الطبية ..

– اذن لماذا انهار التامين الصحى بالسودان ؟! .. مثله مثل كل المشاريع الاستراتيجية الناجحة، تجمعت لدى التامين الصحى كتلة مالية ضخمة، فاصبح جاذبا للنمل الابيض، فبدات أولى تجاوزات الاهداف الرئيسية بالسماح للتامين الصحى بتقديم الخدمات الصحية، فى تجاوز واضح لكل التوجهات الاستراتيجية وقانون التامين الصحى القومى، لتصبح نافذة للصرف البزخى المفتوح، مقرونا بفتح الهياكل لاستيعاب القوى العاملة والادارية والمقرات والمكاتب ووسائل الحركة والنثريات المفتوحة وغيرها، على حساب مدخرات المؤمنين بالصندوق ..

– حيث تم استخدام غير رشيد لاموال المؤمنين لانشاء سلسلة من المستشفيات والمراكز الصحية والصيدليات الموازية لوزارة الصحة، وبميزانيات مهولة وصرف بزخى من مدخرات المشتركين، مما أدى لتآكل مدخرات التامين الصحى فى هذه المغامرات الفاشلة، مقرونا بالترهل الكبير للهياكل، وبعد تآكل راس مال التامين الصحى وفشل مشروعات الاستثمار فى تقديم الخدمات العلاجية، سرعان ما أصبحت هذه المؤسسات اسوأ من نظيرتها الحكومية التى تشرف عليها وزارة الصحة ..

– و للمقارنة نجحت شركات التأمين الصحى بالقطاع الخاص فى جذب قطاع واسع من العملاء عبر مقاربة بسيطة، بتطبيق نظم شراء الخدمات من مؤسسات صحية مقتدرة بالقطاع الخاص، بل استطاعت تغطية المؤمنين بخدمات العلاج بالخارج بعدد من المؤسسات الصحية المحترمة خارج السودان ..!

بعد اخير :

خلاصة القول، لقد فشلت مؤسساتنا التى تم انشائها لمكافحة الفقر فى أول اختبار جدى كان الناس فى أمس الحاجة فيه لخدماتها، ولن تنجح تدخلات اطفاء الحرائق التى تجرى حاليا فى انقاذ منظومة التامين الصحى المثقلة بتراكم أخطاء التطبيق القاتلة، فهى لم تسدد التزامات المؤسسات المتعاقدة معها لاكثر من تسعة شهور الان، وهذا الأمر يحتاج للمحاسبة والمساءلة و البحث الدقيق عن الاسباب الحقيقية التى قادت لهذا الفشل الذريع والواقع المرير الذى يدفع فاتورته الباهظة المواطن السودانى المغلوب على أمره الان، فقد شق علينا من اوصلنا لهذا الحال البائس مرتين، مرة بخزلاننا المبين فى وقت الشدة، والاخرى بقتل الأمل بدواخلنا فى مؤسسات كنا ندخرها لوقت الحارة .. اللهم فاشقق عليهم .. ونواصــل ان كان بالعمر بقية ..

حسبنا الله ونعم الوكيل

اللهم لا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك فينا، و لا يرحمنا يا أرحم الراحمين