- سنركز في هذه الحلقة الحديث عن مخاطر الجثث الصحية والنفسية، فيما يلى المخاطر الصحية فقد لخصها دليل إدارة الجثث بعد وقوع الكوارث، الذى نشرته منظمة الصحة للبلدان الامريكية، ويشرح الدليل، ينشأ عقب معظم الكوارث الطبيعية والحروب خوف من أن تتسبب الجثث في انتشار الأوبئة، هذا الاعتقاد العـام لا تدعمه الأدلـة، وغالبا ما تخطئ وسائل الإعلام فضلا عن الأطباء وبعض المختصين فى نشره ..
- و يدفـع الضغـط السياسـي الناتـج عـن هـذه الشـائعات السـلطات إلـى اتخـاذ إجـراءات لا داعـي لهـا، (ولا مبرر لها من المنظور الطبى)، مثــل الدفــن الجماعــي الســـريع الــذي يفتقــر إلــى احتــرام الموتى، والمبالغة فى رش الجثث والرفاة “بالمــواد المطهــرة”، ويؤكد الدليل بأن الجثث بوجه عام لا تتسبب في أوبئة بعد الحروب ان تم دفنها باى شكل من الأشكال ..
- ويرى الدليل بان السكان الناجون هم على الأرجح المسؤولون عن انتشار الأمراض من خلال تعايشهم لفترة طويلة خلال الحرب مع بيئة تفتقر لابسط خدمات صحة البيئة الاساسية ومكافحة نواقل الامراض، فالوقت الوحيد الذى تَُشـكًل فيـه الجثـث خطـرا علـى الصحـة مـن انتشـار الأوبئـة هـو عندمـا تكـون الوفيات ناجمة عـن مـرض شـديد العـدوى (مثـل الإيبـولا والكوليـرا وحمـى السـا) أو حينمـا تقـع كارثة طبيعية أو حروب فى منطقة تكون فيها هذه الاوبئة متوطنة، مـن بيـن عواقـب سـوء إدارة الجثـث حـالات الاضطـراب النفسـي التـي تعانيهـا عائـلات الضحايـا والمشـاكل الاجتماعيـة والقانونيـة ..
- وحول علاقة الجثث بانتقال الأمراض أثناء الحروب، نجد بأن معظم الموتى بسبب الحروب يلقون حتفهم بسبب الجـروح أو الرصاص والاسلحة، أو سوء المعتقلات أو نقص الخدمات وغيرها، وقـد يكـون بعـض الضحايا مصابين أمـراض مزمنة وحرموا من علاجاتهم المنقذة للحياة بسبب تداعيات الحرب، ومـن غيـر المرجًـح أن يكـون الضحايـا مصابيـن عنـد وفاتهم أمـراض معديـة تسـبب أوبئـة تتسبب فى الأمـراض عدا الحالات المذكورة أعلاه ..
- والجدير بالذكر، تبقــى الكائنــات العضويــة المســببة للعــدوى حيـــة فــي جســم الميــت لمــدة تختلــف بحســب طبيعــة سبب الوفاة، و لا يبقـى معظم الممرضات حية بجثة الميت لأكثـر مـن (48) سـاعة، ويؤكد ذلك على ضعف فرضية تسبب الرفاة البشرية المنبوشة للاوبئة أو الامراض، وبالتالى يكون تركيز جل وسائل الحماية والسلامة الشخصية لفرق الاستجابة السريعة على حمايتهم من انبعاث الروائح الكريهه لا سيما غاز الامونيا، والحشرات المرتبطة بتحلل الجثث عادة، ولذا يفضل الالتزام بحزمة الـ(8) مكونات للحماية والسلامة الشخصية للفريق ..
بعد اخير :
خلاصة القول، ان لادارة صحة البيئة بولاية الخرطوم تجربة قيمة فى نبش الجثث، وعلمت من مداخلات الزملاء بقروب (استراد الحقوق المهنية)، بان ادارة صحة البيئة بالخرطوم لديها دليل للتعامل مع الجثث وتم تدريب عدد كبير من منسوبى ادارات صحة البيئة بمحليات ولاية الخرطوم، بل لديهم خبرة فى نبش جثث مواطنى دولة جنوب السودان الذين طالب اقربائهم انذاك بنقل رفات احبائهم ليدفنوا بدولة جنوب السودان الشقيقة عقب الانفصال، وعليه اقترح الاستناد على هذه التجربة لتكون اساس مناسب لتكوين فرق الاستجابة السريعة للتعامل مع الجثث بعد الحرب، و سنقوم فى الحلقة القادمة والاخيرة بالحديث حول كيفية التعرف على الجثث مجهولة الهوية ان كان فى العمر بقية بمشيئة الله تعالى ..
حسبنا الله ونعم الوكيل
اللهم لا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك فينا، و لا يرحمنا يا أرحم الراحمين