
صحيفة اللحظة:
يعكس ضغط الولايات المتحدة لدعم الاتفاق السياسي في السودان الذي ينتظر أن يعيد حكومة مدنية إلى قيادة البلاد خلال ما تبقى من الفترة الانتقالية انخراطا أميركيا مباشرا في الأزمة، بعد أن اكتفت في وقت سابق بإرسال إشارات متناقضة من الأزمة.
ودعا السفير الأميركي في السودان جون غودفري الفصائل السياسية السودانية التي رفضت المشاركة في اتفاق سياسي مبدئي تم التوصل إليه بعد أكثر من عام على انقلاب عسكري أطاح بالمدنيين من الحكم للانضمام إلى جهود إعادة السلطة الانتقالية إلى مسارها.
وكان قادة عسكريون سودانيون وفصائل مدنية قد اتفقوا في ديسمبر الماضي على المكون الأول لعملية سياسية من مرحلتين تهدف إلى وضع حد للاضطرابات السياسية التي تسود البلاد منذ أن نفّذ قائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان انقلابا عسكريا في أكتوبر 2021.
جون غودفري: عودة المساعدات للسودان مقرونة بتشكيل حكومة مدنية
وقال غودفري الذي تولى العام الماضي منصب أول سفير للولايات المتحدة في السودان منذ ما يقرب من 25 عاما “من المهم أن نلاحظ أنه لا تزال أمامهم (غير المشاركين) فرصة الانضمام إلى العملية السياسية”.
وأضاف في ختام الجولة الأولى من المحادثات حول المرحلة النهائية من العملية السياسية “نحن نتفهم أن هناك جهودا مستمرة لإيجاد سبيل يشعر معارضو الاتفاق من خلاله بأن بإمكانهم الانضمام إلى الاتفاق”.
وتوترت العلاقات بين الولايات المتحدة والسودان بشدة تحت حكم البشير الذي دام ثلاثة عقود، إذ فرضت واشنطن عقوبات اقتصادية لتضييق الخناق على الخرطوم منذ 1993، إلى أن شهدت العلاقات انفراجة في ظل الحكم الانتقالي.
ومنذ الانقلاب العسكري الأخير جمدت واشنطن 700 مليون دولار من المساعدات حتى استعادة المرحلة الانتقالية لمسارها. وقال غودفري إن الولايات المتحدة واصلت تقديم مساعدات إنسانية وبعض المساعدات التنموية، مضيفا “أوضحنا أنه ما لم يتم تشكيل حكومة مدنية جديدة في السودان، فلن نكون في وضع يسمح لنا باستعادة المساعدات الأخرى”.
ووقّع الجيش السوداني والقادة المدنيين في ديسمبر 2022 اتفاقا إطاريا ينص على تدشين مرحلة انتقال سياسي يقودها مدنيون لمدة عامين وتنتهي بإجراء انتخابات، وسط رفض عدد من الأحزاب السياسية للتسوية مع الجيش.
ويمهّد الاتفاق الطريق لتشكيل حكومة مدنية وإنهاء أزمة سياسية واقتصادية تعصف بالبلاد منذ انقلاب البرهان على السلطات الانتقالية التي شكّلت عقب الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير عام 2019.
وضم الاتفاق البرهان ونائبه وقائد قوات الدعم السريع شبه العسكرية محمد حمدان دقلو “حميدتي”، وكذلك مجموعات مدنية عديدة على رأسها ائتلاف قوى الحرية والتغيير وهو الفصيل المدني الرئيسي الذي أطيح بأعضائه في انقلاب 2021.
وغاب عن توقيع الاتفاق الإطاري قوى الحرية والتغيير (الكتلة الديمقراطية) التي تضم حركات مسلحة بقيادة جبريل إبراهيم، ومني أركو مناوي، وقوى سياسية مدنية أخرى، بالإضافة إلى الحزب الشيوعي، ولجان المقاومة (نشطاء)، وتجمع المهنيين السودانيين.
وشاركت في مشاورات الاتفاق الإطاري الآلية الثلاثية (الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية للتنمية “إيغاد”)، والرباعية المكونة من الولايات المتحدة وبريطانيا والسعودية والإمارات.
وقال حينها قيادي بقوى الحرية والتغيير طالبا عدم نشر اسمه “وصلنا إلى تفاهمات سياسية مع قيادات في الكتلة الديمقراطية تمهد للتوقيع على الاتفاق السياسي النهائي، لكنها لم تصل إلى مرحلة توقيع إعلان سياسي جديد”.
وترفض القوى المدنية المُوقعة على الاتفاق الإطاري التحاور مع الكتلة الديمقراطية وتقول إنها مصنوعة وتتهمها بتأييد الانقلاب العسكري، لكنها تستثني منها حركتي العدل والمساواة وتحرير السودان باعتبارهما من القوى الموقعة على اتفاق السلام ومعنيتان بالعملية السياسية.
وكان القيادي في الكتلة الديمقراطية مصطفى طمبور قد قال في تصريح سابق عقب اجتماع بمنزل زعيم حركة العدل والمساواة السودانية جبريل إبراهيم إنه “إذا استمر الطرف الآخر في المضي قدما، ستكون خياراتنا مفتوحة ومن بينها تحريك قواعدنا الشعبية لإسقاط الاتفاق الإطاري”.
ويشهد السودان تظاهرات واحتجاجات شبه أسبوعية، فيما تزايدت وتيرة العنف القبلي في مناطق عدة. وفي موازاة الاضطرابات السياسية والأمنية، تعمقت الأزمة الاقتصادية في السودان، أحد أفقر بلدان العالم بعد أن علقت الدول الغربية المساعدات المالية واشترطت عودة الحكم المدني لاستئنافها.
ويأتي الاتفاق بعد بضعة أشهر من إعلان البرهان أن الجيش سوف يبتعد عن السياسة ويترك المجال للاتفاق على حكومة مدنية، مؤكدا الالتزام بـ”خروج المؤسسة العسكرية من العملية السياسية بصورة نهائية”.
المصدر: جريدة العرب