الرئيسية » الثقافة » بعد 60 عاماً من مسيرته الفنية.. السودان يودع الموسيقار الراحل “محمد الأمين”

بعد 60 عاماً من مسيرته الفنية.. السودان يودع الموسيقار الراحل “محمد الأمين”

محمد الامين

صحيفة اللحظة:
توفي بمدينة فيرجينيا الأميركية الموسيقار السوداني محمد الأمين الذي يعتبر أحد أبرز المغنيين الذين عرفتهم الساحة الفنية في السودان خلال العقود الست الماضية.
ونعى آلاف السودانيون الأمين مشيرين إلى أنه كان الفنان الأكثر حضورا وإبداعا وتنوعا خلال العقود الأخيرة حيث أسهم في تشكيل الوجدان السوداني عبر العشرات من الأغنيات الخالدة.
وتحسر الكثير من المغردين على رحيل محمد الأمين بعيدا عن الوطن، الذي غنى له كثيرا.
وكان أول ظهور جماهيري لمحمد الأمين في نهاية ستينيات القرن الماضي عبر أغنية “أنا وحبيبي” التي ظلت لسنوات طويلة تتصدر الأغنيات الأكثر تفضيلا لدى عشاق الموسيقى السودانية.
واعتبر الكثير من النقاد أغنية “زاد الشجون” التي ألفها الصحفي الراحل فضل الله محمد بمثابة علامة فارقة في أبراز قدرات محمد الأمين في اللحن الكلاسيكي العاطفي.
وتشير بعض الروايات إلى دور هذه الأغنية في تحديث الموسيقى السودانية بشكل كامل حيث جمد محمد الأمين الأغنية أربع سنوات قبل أن ترى النور على يد الدفعة الأولى من خريجي معهد الموسيقى.
وأسهم محمد الأمين أيضا في تجديد أغاني التراث التي أكسبته شعبية كبيرة.
واكثر ما ميز محمد الأمين هو قدراته العالية في التلحين والتأليف الموسيقي والتي انعكست في أكثر من 50 عملا فنيا.
وفور انتشار نبأ وفاة محمد الأمين صباح الاثنين تدفق الآلاف من السكان والنازحين من حرب الخرطوم إلى منزل أسرته في أحد الأحياء القديمة بمدينة مدني في وسط السودان والتي تحولت إلى عزاء مفتوح.

سيرته الذاتية:
ولد الموسيقار  محمد الأمين حمد النيل الطاهر الإزيرق في (20 فبراير / أيار 1940) في قرية ودالنعيم التي تبعد ٢٠ كلم جنوب غرب مدينة ودمدني  بولاية الجزيرة.
وهو متزوج من السيدة/ سعاد مالك وأب لعدد من الأبناء.
وقد جذبه الي عالم الموسيقى والغناء منذ نعومة أظافره خاله الاستاذ بله يوسف الازيرق فأجاد آلة المزمار ثم آلة العود التي تمكن منها وهو لم يتعد الاثنى عشر عاما.
ويعتقد الموسيقار د. الفاتح حسين أن نشأة محمد الأمين في السودان المصغر- ولاية الجزيرة – وتأثره بفنون تلك المنطقة التي جمعت كل أهل السودان وهم محملون بثقافاتهم الغنائية والصوفية المتنوعة،
هذه النشأة والتأثر أصبحا يمثلان جوهراً أصيلاً قيماً ودينمو محركاً في شكل تأليف معظم الألحان التي قدمها محمد الأمين، فنجد محمد الأمين الذي ظهر بقوة في شكل ألحانه الوطنية والإيقاعات التي تبث الحماس في الروح المتفاعلة مع وجدان المواطن السوداني.
مراحله التعليمية:
تلقي محمد الأمين تعليمه الأولي في مدارس ودمدني.ولقد شاء القدر ان يكون في مدرسة الشرقية الأولية استاذ محب للموسيقى ويجيد العزف على العود هو الاستاذ السر محمد فضل الذي تعهد لمحمد الأمين وعلمه كيفية العزف على العود. بيد ان ظروفه الصحية ومعاناته مع ضعف حاسة البصر تسببت في عدم إكماله مسيرته حينها.
كما جاء بداية مشواره الفني أنه التحق في عام 1960 م بموسيقى شرطة النيل الأزرق التي كان على رأسها الموسيقار محمد آدم المنصوري. كما اسعفته اللحظة بوجود عدد مقدر من اميز العازفين حينها في ودمدني مثل الموسيقار حسين بطرى.
وقد  برع محمد الأمين حينها في اداء اغنيات لفنانين سبقوه إلى سدة الغناء، مثل عبدالكريم الكابلي ومحمد وردي، مما اثقل فى  قدراته الصوتية الكبيرة واكسبه شعبية وجماهيرية واسعة  في ودمدني. فأحب الجمهور ادائه لاغنية بدور القلعة وجوهرا من كلمات صلاح عبدالسيد ولقد كانت تذكرة العبور الاولى لمحمد الأمين أغنية (أنا وحبيبي) من كلمات الشاعر محمد علي جبارة حيث قام بتلحينها وأدائها بصوره جميله مكنته من اجازة صوته في الاذاعة السودانية والعبور للمستمعين. ثم كان ظهوره في برنامج اشكال والوان الذي كان يقدمه الاستاذ أحمد الزبير، وتقديم اغنية (حرمان وأمل) للشاعر رضوان محمد احمد و وجدت اذان كثيرة بشرت بموهبة قادمة من أرض الجزيرة.
رضوان محمد أحمد لونيته ودوره في تطوير الأغنية السودانية.
يتميز محمد الأمين بقدرات صوتية ولحنية توصف بأنها السهل الممتنع. والقليل جدا من اغاني محمد الأمين لحنها له آخرون. فأي لحن يضعه محمد الأمين يحمل بصماته الفنية التي لا تشبهها اي بصمات اخرى وقد يعاني مؤدي اغانيه من هذا ولعل هذا هو السبب في قلة المقلدين الشباب للأستاذ محمد الأمين.
ويعتقد الموسيقار والعازف أسامة بيكلو أن لونية الحان الأمين كلاسيكية في شكلها من وجود المقدمات الموسيقية والمقاطع المختلفة، وانه متاثر جداً بالمدرسة اللحنية للاستاذ المصري محمد عبد الوهاب الذي تأثيره كان كبيراً من حيث الاغنيات الكبيرة التي أدتها الفنانة ام كلثوم.
لقد تغنى محمد الأمين بكل ألوان الغناء الوطني والعاطفي والتراثي إلا انه في كلها أظهر قدرات فائقه على جعل المستمع له يتبين جمالها الاخاذ.
الأنشودة الوطنية:
وقد تسلم محمد الأمين وهاشم صديق جائزة الدولة التقديرية من وزير الاعلام عبدالماجد أبو حسبو على عمل الملحمة ١٩٦٦م
يعتبر الاستاذ محمد الأمين اول من تغنى لثورة أكتوبر، فبعد شهر واحد فقط من الثورة لحن نشيد للأستاذ فضل الله محمد الذي كتبه داخل السجن الحربي اثناء اعتقاله قبل إنهاء الحكم العسكري لعبود .
و خرج فضل الله وفي معيته النشيد الذي قام بالتغني به إبن منطقته ( ود مدني) الأستاذ محمد الأمين ، وهو نشيد أكتوبر واحد وعشرين.
ثم شارك الاستاذ محمد الأمين بأوبريت الملحمة “قصة ثورة” التي من كلمات هاشم صديق، مع الفنانين خليل إسماعيل وعثمان مصطفى وبهاء الدين ابو شلة والفنانة الكردفانية أم بلينة السنوسي، وكان هذا في ذكرى ثورة أكتوبر بحضور الزعيم إسماعيل الأزهري والسيد محمد احمد المحجوب، ١٩٦٦م.
كما تغنى بنشيد المتاريس من كلمات د. مبارك حسن خليفة وألحان مكي سيداحمد، وكذلك لحن وغنى مساجينك من كلمات شاعر الشعب محجوب شريف.
وما لا يعلمه الكثيرون ان محمد الأمين تعرض لتجربة اعتقال بعد فشل انقلاب هاشم العطا ، ويبدو ان مرده للاغاني الاكتوبرية التى تغنى بها ، الموسيقار محمد الأمين ليس حزبياً معروفاً وإن كان وطنياً. ويحكي د. محمد سعيد القدال عن تلك الفترة في سجن كوبر، حيث ضمهما السجن مع الفنان وردي أيضا: ” لكل منهما صوته المميز بقوته ولكل منهما ابداعه المتميز فى مجال الانشودة الوطنية , فما ان يغني أحدهما حتى تهتز جنبات السجن , بل يمتد صوتيهما خارج الأسوار فيقف المارة يستمعون إلي وردي وود الامين وهما خلف القضبان.
الأغاني العاطفية:
يبدو التطوير الموسيقى كان لافتاً في الأغاني العاطفية التي لحنها الاستاذ محمد الأمين بنفسه. ومن يود ان يرى بصمات محمد الأمين في الغناء العاطفي فعليه بالاغنية المليئة بالشجن وهي “قلنا ماممكن تسافر” للشاعر فضل الله محمد ، او الاغنية الخفيفة التي ابرزت قدرته في عزف العود وهي “أسمر ياساحر المنظر” للشاعر الراحل خليفة الصادق،ثم جاء لحن ” خمسة سنين” للشاعر عمر محمود خالد، لتضع اكليلا من الرومانسية حول عنقه. والطريف الذي يذكره محمد الأمين، ان أحدهم جاء بعدها أنه كتب له اغنية ست سنين، فاعتذر بأنه ليس معنيا بالسنوات بقدر عنايته بالمحتوى كلمة ولحناً.
ويعد بعض النقاد “زاد الشجون” لفضل الله محمد أيضا علامة فارقة في ابراز مكنون قدرات محمد الأمين في اللحن الكلاسيكي العاطفي.
وقد جمد محمد الأمين هذه الاغنية اربع سنوات قبل ان ترى النور انتظارا لعدم وجود عازفين قادرين على تنفيذها. وكان هؤلاء خريجي معهد الموسيقى الدفعة الاولى والثانية. ويقول الموسيقار د. محمد سيف: “تعتبر اغنية زاد الشجون من الأغنيات الكبيرة والتي لها وقع خاص في نفوس الجمهور، والجمهور دائماً يتقبل الجديد من محمد الأمين لأن اغنياته تتميز بمقاطع كثيرة ومتنوعة”.
ويضيف الموسيقار والعازف أسامة بيكلو: “تعد من الاغاني الكبيرة في عالم الفنان محمد الأمين الموسيقي وتعتبر اغنية بمقياس اربع اغنيات من حيث التأليف تعتمد على القالب الكلاسيكي في التأليف الموسيقي
التجديد في الحان التراث:
جاء محمد الأمين بالجديد في اعادة تلحينه لاغاني التراث، والمعروف ان الناس لا ترضى ولا تقبل ان يغير مطرب حديث لحن أغنية تراثية. الا ان الامر كان مختلفا مع محمد الأمين، فكل الأغاني التراثية التي جدد الحانها وبدلها اكسبته رضا الجمهور وبرهنت انه ينطلق من ارضية صلبة في القدرة على التلحين، وخير مثال لذلك التراثية (عيال أب جويلي) ، وهي تمجد رجل اسمه (سالم الأرباب )، انها دراما موسيقية مكتملة بلاشك.
الشعراء الذين تغنى لهم :
1. فضل الله محمد، وقد شكل معه ثنائيا رائعا فغنى له: الجريدة ، أربعة سنين، وحياة أبتسامتك، الحب والظروف، الموعد، زاد الشجون، طريق الماضي.
2. هاشم صديق، وكذلك غنى له عدة اغنيات وهي: قصة ثورة (الملحمة)، حروف إسمِك، همس الشوق، كلام للحلوة.
3. د. عمر محمود خالد، فغنى له: حلم الأماسي، خمسة سنين.
4. اسحق الحلنقي، غنى له: لقاء وعهد، غربه وشوق، وعد النوار، بتتعلم من الأيام.
5. عبدالباسط سبدرات، غنى له: لقاء العاملين، ابل الرحيل.
6. محجوب شريف، غنى له: مساجينك، السودان الوطن الواحد
7. محمد على جبارة، غنى له: بعد الشر عليك.
8. معاوية السقا، غنى له: مين غيرك
9. السر كنه، غنى له: سوف يأتي.
10. مبارك حسن خليفة، غنى له: المتاريس.
11. د. مبارك بشير، غنى: له عويناتك.
12. الفاضل أبو قدير، غنى له ذات الضفائر
13. صالح عبدالسيد (أبو صلاح)، غنى له: بدور القلعة
14. خليفه الصادق، غني له : أسمر ياساحر.
15. الاستاذ محمد الحسن، غنى له: مراكب الشوق
16. صلاح حاج سعيد، غنى له: يا جميل يا رائع
17. معتصم الازيرق، غني له: طائر الاحلام.
18. ابو أمنة حامد، غنى له: بهجة.
19. خليل فرح، غني له: ود مدني
20. كما غنى للشاعر الكبير نزار قباني: تقولين الهوى.
العازفين الذين ارتبطوا بمسيرته:
ما كان للالحان الرائعة التي وضعها وأداها الاستاذ محمد الأمين، ان ترى النور الا في وجود عازفين مميزين ارتبطوا بمسيرته، والملاحظ ان جلهم هم من خريجي معهد الموسيقى والمسرح في الدفعات الاولى، الذين تعلموا ليس فقط تطبيق النوتة الموسيقية بل هارمونية في تنفيذ توزيع أعماله والحليات الموسيقية ومنهم:
صالح عركي، بدرالدين عجاج، ميرغني الزين، الفاتح حسين، ميكائيل الضو، أحمد باص، سعد الدين الطيب، أسامة بكلو، ماهر تاج السر، عثمان النو، فايز مليجي، عثمان مبارك، الفحيل, نور الدين مسمار وغيرهم.
المشاركات والجوائز والتقدير:
• شارك الاستاذ محمد الأمين في الكثير من المهرجانات الغنائية داخل وخارج السودان وقدم العديد من الحفلات في الدول العربية والأوربية والولايات المتحدة الأمريكية ، وأهم المهرجانات هي المهرجان الثقافي الأول بالجزائر، مهرجان الشباب العالمي بموسكو ، المهرجان الفني الموسيقي بهولندا إلى جانب عدة مهرجانات بألمانيا. واخر مشاركة له في ٢٠١٤ كانت في الصين بمصاحبة عازفين صينيين سجلها التلفزيون الصيني.
• منحت جامعة النيلين الدكتوراة الفخرية للاستاذ محمد الأمين في عام ٢٠١٠
• منحته رئاسة الجمهورية وسام الجدارة في ذكرى الاستقلال ٢٠١٤م.
والجدير بالذكر ان المطرب  محمد الأمين، أحد أيقونات الغناء والموسيقى السودانية المعاصرة، من أكثرهم صيتاً، وله دورٌ كبير في تطوير الموسيقى السودانية ونشرها خارج السودان.